وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)(١) فعند ذلك استخرنا بالله تعالى تجريد العزائم لهذا الجهاد ، الذي هو عندنا من أنفس العزائم ، ولا نخاف فيها لومة لائم ، وأهبنا بمن حضرنا من العساكر المنصورة إلى الإحداق بالقلعة المذكورة يوم الثلاثاء ثاني ذي الحجة ، فنزلوا لفنائها محتشدين ولصدق اللقاء متشمرين متجردين ، وجرت مناوشة عشية هذا اليوم أثخنت عدة من أولئك القوم ، وبات المسلمون ليلتهم تلك على أضم ، والملحدون لحما على وضم ، فلما تنفس الصبح وغردت الديوك الصدح ، وطوى الليل رداءه ، ورفع الفجر لواءه ، نصر الله الحق وأدال الدين ، (فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ)(٢) ، وعدت جيوش النصر يدا واحدة ، وكلمة على التظافر والتظاهر مساعدة ، تسطو بالفئة المتحصنة بالقلعة ، سطوة الليث الهصور ، وكأنهم طاروا بأجنحة الصقور ، على صم الصخور ، فلم يلبثوا قبل ذرور الشمس بقرنها ، وأخذها الناصع من لونها ، أن أخذوا القلعة عنوة وقهرا ، وأجروا من دماء الباطنية الملحدة نهرا ، فلم يئل منهم وائل ، ولا أخطأهم من السيوف البواتر وائل ، وأمرنا في الحال بهدمها ، والتعفية على ردمها ، فلم يبق بها نافخ ضرمه ، ولا أثر من نسمة ، ولا مدر على أكمه ، وأسر ابن عطاش رأس الجالوت ، وولي الطاغوت ، الذي كان ممن قال الله تعالى فيه : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ)(٣) فجعلناه وولده المقرون به مثلة للنظار ، وعبرة لأولي الأبصار ، (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٤) هذا الفتح المبين ، والعزة التي يتلألأ بها من الدهر الحين ، والنعمة التي تمت وعمت وأخنت بالنقمة على أعداء الله ورسوله وطمت ، وما ذاك إلا من بركات عقائدنا الناصعة ، في موالاة الدولة
__________________
(١) القرآن الكريم ـ المائدة : ٤١
(٢) القرآن الكريم ـ الصافات : ١٧٧.
(٣) القرآن الكريم ـ القصص : ٤١.
(٤) القرآن الكريم ـ الأنعام : ٤٥