طائفة تهزهم حمية الدين من الجند ، ينتهون من التضييق عليها إلى غاية من الجد ، فيتوفرون على محاصرتهم ومصابرتهم ، ويتشمرون لمزاولتهم ومصاولتهم ، ويقعدون لهم بكل مرصد ، ويسدون كل متنزل ومصعد ، حتى انقطعت عنهم المواد ، وخانتهم المير والأزواد ، واضطروا إلى أن نزل بعضهم على حكم الأمان بعد الاستئمار والاستئذان ، فأمرنا بتخلية سربهم ، وإيمان سربهم ، وسلم الشطر من القلعة لخلوه من الفئة النازلة ، واعتصم ابن عطاش بقلة أخرى تسمى دالان ، مع نخب أصحابه من المقاتلة ، وهذه القلة هي أمنع المواضع من القلعة وأحصنها وأوعرها مسلكا وأحزنها ، فقد نقل إليها ما كان بقي لهم من الميرة ، وسائر ما يستظهر به من السلاح والذخيرة على أن يلبثوا بها أياما معدودة ، فينزلوا ويبذل لهم الأمان مثل ما بذل للأولين ، فيتخولوا كل ذلك بوساطة من قدمنا ذكرهم من المستخدمين في الدواوين ، وفي باطن الأمر خلاف ما يتوهم من الإعلان ، وذلك أنهم قدروا أن ما سلم من القلعة يترك على عمارته ومكانته ، وما امتنع به من القلة لا يقدر عليه لمنعته وحصانته ، فهو يتوصلون بتمكنهم من ذلك الجبل ، إلى سرقة ما سلموه آنفا ببعض الحيل ، هذا وقد كفوا مؤن من نزل من الأكلة ، وعندهم الكفاف لمن بقي من العملة ، ففطنا لما عمدوا وعليه اعتمدوا ، وأمرنا في الحال بالقلعة المسلمة فنسفت نسفا ، وخسفت بها خسفا ، وصير سفلها علوا ، كما كان علوها خلوا ، ثم انتقمنا من المستخدمين الغادرين بالملك والدين ، حتى ساقهم الحين المتاح إلى حين.
فلم يفلت منهم صاحب ولا مصحوب |
|
إن الشقاء على الأشقين مصبوب |
ووافق ذلك حلول الموعد لنزول باقي القوم من دالان ، فأبوا إلا المطل والليان ، فلما مضت أيام على ذلك ، أظهروا التمرد والعصيان ، فصاروا كما قال الله تعالى (وَمِنَ) (٨٤ و) (يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ