وفي أول شعبان توجه ظهير الدين أتابك إلى بعلبك في العسكر ، ونزل عليها متنكرا على كمشتكين الخادم التاجي واليها ، لأسباب انتهت إليه عنه فأنكرها منه ، فلما نزل عليه وضايقه وعرف ما في نفسه ، أنفذ إليه يبذل الطاعة والخدمة ، والانكار لما افتري به عليه ، والتنصل مما نسب إليه والحلف على البراءة مما اختلق من المحال عليه ، فصفح له عن ذلك ، ورضي عنه ، وقرر (٨٠ ظ) أمره ، وأوعز بكف الأذية عن ناحيته ، ورحل عنها متوجها إلى ناحية حمص ، وقصد رفنية ، ونزل عليها ، ووفد عليه خلق كثير من جبل بهراء (١) ، فهجموا رفنية على حين غفلة من أهلها ، وغرة من مستحفظها ، وقتلوا من بها ، وبأعمالها ، والحصن المحدث عليها من الأفرنج ، وأحرق ما أمكن إحراقه في الحصن وغيره ، وهدم الحصن ، وملكت أبراج رفنية ، وقتل من كان فيها ، وعاد العسكر إلى حمص.
وفي رجب خرج الملك فخر الملوك رضوان صاحب حلب ، وجمع خلقا كثيرا ، وعزم على قصد طرابلس لمعونة فخر الملك بن عمار على الأفرنج النازلين عليه ، وكان الأرمن الذين في حصن أرتاح قد سلموا إليه الحصن ، لما شملهم من جور الأفرنج ، وتزايد ظلمهم ، فلما عرف طنكري ذلك ، خرج من أنطاكية لقصد أرتاح ، واستعادتها ، وجمع من في أعماله من الأفرنج ، ونزل عليها ، وتوجه نحو فخر الملوك في عسكره لإبعاده عنها ، وقد جمع وحشد من أمكنة من عمل حلب ، والأحداث الحلبيين ، لقصد الجهاد ، فلما تقاربا نشبت الحرب بين الفريقين ، فثبت راجل المسلمين ، وانهزمت الخيل ، ووقع القتل في الرجالة ، ولم يسلم منهم إلا من كتب الله سلامته ، ووصل الفل إلى حلب وأحصي المفقود من الخيل والرجل ، فكان تقدير ثلاثة آلاف نفس ، وحين عرف ذلك من كان في أرتاح من المسلمين ، هربوا بأسرهم منها ، وقصد الأفرنج
__________________
(١) جبال النصيرية أو العلويين حاليا.