سنة ثمانين وأربعمائة (١)
في هذه السنة تقررت ولاية حلب للأمير قسيم الدولة أق سنقر من قبل السلطان ملك شاه أبي الفتح ، ووصل إليها وأحسن السيرة فيها ، وبسط العدل في أهليها ، وحمى السابلة المترددين فيها ، وأقام (٦٥ ظ) الهيبة ، وأنصف الرعية ، وتتبع المفسدين فأبادهم ، وقصد أهل الشر فأبعدهم ، وحصل له بذلك من الصيت ، وحسن الذكر ، وتضاعف الثناء والشكر ما أخباره مذكور ، وأجاره فيه منشور ، فعمرت السابلة للمترددين من السفار ، وزاد ارتفاع البلد بالواردين بالبضائع من جميع الجهات والأقطار.
في هذه السنة توجه السلطان العادل ملك شاه أبو الفتح إلى سمرقند طمعا في ملكتها بعد فراغ قلبه من الشام ، وبلاد الروم ، والجزيرة ، والرها ، وديار بكر ، وديار بني عقيل.
وفيها خرج الأمير قسيم الدولة آق سنقر من حلب لتوديع تابوت زوجته خاتون ، داية السلطان ملك شاه ، وقيل أنها كانت جالسة معه في داره بحلب ، وفي يده سكين فأومى بها إليها على سبيل المداعبة والمزاح ، فوقعت في مقتلها للقضاء المكتوب عليها ، غير متعمد ، فماتت وحزن عليها حزنا شديدا ، وتأسف لفقدها على هذه الحال ، وحملها إلى الشرق لتدفن في مقابر لها هناك في مستهل جمادى الآخرة (٢).
وفي يوم الثلاثاء ، مستهل رجل نزل قسيم الدولة على شيزر وحصرها
__________________
(١) تعد هذه السنة بداية مرحلة جديدة في تاريخ بلاد الشام ، فللمرة الأولى تغيب القوى العربية عن مسرح السياسة والحكم والحرب ، وآل هذا كله إلى التركمان.
(٢) في بغية الطلب لابن العديم ترجمة مطولة لآق سنقر قسيم الدولة ، نشرتها في ملاحق كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية ، كما أني بحثت في الكتاب نفسه في حقبة حكم قسيم الدولة بشكل شامل. انظر ص : ٢٠٧ ـ ٢٢٨ ، ٢٦٩ ـ ٢٧٧.