وفيها جمع الملك سليمان شاه بن قتلمش (١) وحشد وقصد بلد حلب ، ونزل عليها محاصرا لها ومضايقا عليها وطامعا في تملكها ، فوردت عليه أخبار السلطان تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان باحتشاده ، وتأهبه لقصدها ، واستعداده فرحل عنها ، والتقى عسكره وعسكر تاج الدولة في موضع يعرف بعين سيلم (٢) في يوم الأربعاء الثامن عشر من صفر ، فكسر عسكر تاج الدولة عسكر سليمان ، فقتل في الهزيمة ، وملك تاج الدولة عسكره وسواده ، ونزل على حلب ، وضيق عليها إلى أن تسلمها في شهر ربيع الأول ، سلمها إليه المعروف بابن البرعوني الحلبي (٣).
وفيها وصل السلطان العادل ملك شاه أبو الفتح إلى الشام ، وانهزم تاج الدولة من حلب ، وملكها السلطان العادل ودخلها في شهر رمضان ، وخرج منها ، وقصد أنطاكية ، وملكها وخيم على ساحل البحر أياما ، وعاد إلى حلب وعيد بها عيد الفطر ، ورحل عنها وقصد الرها ، ونزل عليها وضايقها وملكها.
__________________
(١) في الأصل «شاه بن قتلمش» وأضفنا عبارة سليمان ليتضح السياق.
(٢) في معجم البلدان لياقوت : عين سيلم على ثلاثة أميال من حلب.
(٣) ضايق سليمان بن قتلمش مدينة حلب ، فقام الشريف الحتيتي بتوجيه الدعوة للسلطان ملكشاه ليأتي فيتسلمها ، ولما طال أمد وصول السلطان ، وضاق الأمر بالحتيتي راسل تتش وعرض عليه تسليمه المدينة ، ولبى تتش فاصطدم بسليمان وقتله ، وجاء ليتسلم المدينة فرفض الحتيتي ، وأخبره أنه لن يسلمها إلا للسلطان ، وكان الحتيتي قد عهد بأمر أحد أبراج المدينة إلى رجل عرف باسم ابن البرعوني ، فقام هذا بمراسلة تتش واتفق معه على تسليمه البرج ، وهكذا تسلم تتش المدينة لكنه ما كاد يدخلها حتى عرف بوصول طلائع جيش أخيه السلطان ملكشاه (كانون أول ١٠٨٦ م) لهذا آثر الانسحاب من حلب والعودة إلى دمشق ، متجنبا الاصطدام بأخيه أو حتى الاجتماع به. مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٢٠١ ـ ٢٠٦.