وفي شهر ربيع الأول من السنة ، كانت وقعة بين عسكر شرف الدولة ، وعسكر الأتراك بأرض آمد من ديار بكر ، واستظهر الأتراك على عسكر شرف الدولة فهزموه.
وفي رجب منها توجه شرف الدولة مسلم بن قريش إلى دركاه السلطان العادل ملك شاه بن ألب أرسلان ودخل عليه ووطىء بساطه ، فأكرمه واحترمه ، وخلع عليه وقرر أمره على ما يهوى من إصلاح أحواله ، والإقرار على أعماله ، وإزالة ما كان يخشاه ، وعاد مسرورا بما لقي ، ومحبورا بنيل مبتغاه (١).
سنة ثمان وسبعين وأربعمائة
في هذه السنة كان مصاف الحرب بين الملك سليمان بن قتلمش وبين الأمير شرف الدولة مسلم بن قريش في اليوم الرابع والعشرين من صفر
__________________
باب فارس ، وحين صار منهم على السور جماعة نزلوا إلى باب فارس وفتحوه ، ودخل هو وعسكره من الباب وأغلقوه ، وكانوا مائتين وثمانين رجلا .... ولم يشعر بهم أهل البلد إلى الصباح ، وصاح الأتراك صيحة واحدة ، فتوهم أهل أنطاكية أن عسكر الفلاردوس قد قاتلوهم فانهزموا وعلموا أن البلد قد هجم ، فبعضهم هرب إلى القلعة ، وبعضهم رمي بنفسه من السور فنجا» ، فحاصر قلعة أنطاكية قرابة شهر ففتحها ، واتخذ سليمان أنطاكية مقرا له «وفتح الحصون المجاورة لها بعضها عن طوع ، وبعضها عن استدراج» ثم أخذ يتطلع نحو مدينة حلب للاستيلاء عليها. مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ١٩٨ ـ ١٩٩.
(١) في سنة ٤٧٦ ه / ١٠٨٣ م فوض ملكشاه إلى الوزير فخر الدولة ابن جهير قيادة جيش سلجوقي نحو الجزيرة ، جعل على رأسه آق سنقر قسيم الدولة ـ الذي كان أول حاكم سلجوقي لحلب ـ ثم أردفه بجيش آخر بقيادة أرتق ، وفي محاولة للتصدي لهذه الحملة تحالف مسلم بن قريش مع الدولة المروانية لميافارقين ، وعسكر قرب آمد ، وتراسل مسلم بن قريش مع ابن جهير لتجنب القتال ، ولم يرض هذا التركمان وقالوا : «نحن جئنا من البلاد البعيدة لطلب النهب ، ..... وركبوا نصف الليل ... وأشرفوا .. على العرب ، وكانوا أضعاف الغز فأخذوهم باليد من غير طعن ولا ضرب» وهرب مسلم إلى آمد وكسب التركمان ما لا يحصى من الغنائم ، وقام ابن جهير بمحاصرة مسلم في آمد ، وكتب إلى السلطان ملكشاه بخبر ما حصل ، فسارع بالقدوم نحو الموصل ، وقبل وصوله تمكن مسلم من النجاة من آمد بعد ما دفع مبلغا كبيرا من المال إلى أرتق ، وفي الموصل سمع ملكشاه بنجاة مسلم ، وعلم بقيام أخيه تكش بثورة ضده في خراسان ، فقرر العودة لتلافي مخاطر الثورة هذه ، لذلك راسل مسلم بن قريش واستقبله وصالحه ، ثم غادر الموصل نحو أصفهان ، انظر كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية.