بين يديه ، فتوجه نحوه في عسكره ، فلما عرف ناصر الدولة الخبر ، وصح عنده قربه منه رحل عنها مجفلا ، وقصد ناحية الساحل ، وكان ثغرا صور وطرابلس في أيدي قضاتهما (١) قد تغلبا عليهما ، ولا طاعة عندهما لأمير الجيوش ، بل يصانعان الأتراك بالهدايا والملاطفات ، ووصل السلطان تاج الدولة إلى عذراء في عسكره لإنجاد دمشق وخرج أتسز إليه وخدمه ، وبذل له الطاعة والمناصحة ، وسلم إليه البلد ، فدخلها وأقام بها مديدة ، ثم حدثته نفسه بالغدر بأتسز ، ولاحت له منه أمارات استوحش بها منه مستهله ، فقبض عليه في شهر ربيع الأول منها ، وقتل أخاه أولا ، ثم أمر بخنقه بوتر في المكان المعتقل فيه ، وملك تاج الدولة دمشق ، واستقام له الأمر فيها ، وأحسن السيرة في أهلها وفعل بالضد من فعل أتسز فيها ، وملك أعمال فلسطين.
وفي هذه السنة قتل أحمد شاه مقدم الأتراك في الشام (٢).
وفيها برز تاج الدولة من دمشق ، وقصد حلب في عساكره ، ونزل عليها ، وأقام عليها أياما ، ورحل عنها في شهر ربيع الأول ، وعبر الفرات مشرقا ، ثم عاد إلى الشام بعد أن وصل إلى ديار بكر في ذي الحجة ، وملك حصن بزاعة والبيرة (٣) وأحرق ربض اعزاز ، ورحل عنها عائدا إلى دمشق.
__________________
(١) في صور آل عقيل وفي طرابلس آل عمار. انظر كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية : ٧١ ـ ٧٢.
(٢) أثناء حصار تتش لمدينة حلب ، ولقد نشرت ترجمة أحمد شاه كما أوردها ابن العديم في كتابه بغية الطلب في ملاحق كتابي مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية ، وتحدثت عن دوره في امارة حلب في الكتاب نفسه ، انظر ص : ١٦٦ ـ ١٧٣ ، ٢٥١ ـ ٢٥٣.
(٣) ذكر ياقوت بزاعة فقال : هي بلدة من أعمال حلب بين منبج وحلب ، بينها وبين كل واحدة منها مرحلة ، ووصف البيرة فقال هي بلد قريب سمسياط بين حلب والثغور الرومية ، وهي قلعة حصينة ولها رستاق واسع ، وأما عزاز فتبعد الآن عن مدينة حلب مسافة / ٤٦ كم / وهي مركز منطقة تابعة لمحافظة حلب.
هذا وقد أورد ابن العديم في زبدة الحلب هذا الخبر فقال بأن تتش أخذ منبج وحصن الفايا وحصن الدير ، ثم هاجم عزاز ـ الزبدة : ٢ / ٦١ ـ ٦٢.