سنة ثمان وستين وأربعمائة وفيها :
ولاية الأمير رزين الدولة لدمشق
(٦٢ و) لما هرب
معلى بن حيدرة بن منزو لعنه الله من ولاية دمشق على القضية [التي سبق] ذكرها اجتمعت المصامدة إلى الأمير رزين الدولة انتصار بن
يحيى ، زمامهم والمقدم عليهم واتفق رأيهم على تقديمه في ولاية دمشق ، وتقوية نفسه
على الاستيلاء عليها ، ودفع من ينازعه فيها ، ووقع ذلك من أكثر الناس أجمل موقع ،
وأحسن موضع ، وارتضوا به ، ومالوا إليه لسداد طريقته ، وحميد سيرته ، وكونه أحسن
فعلا ممن تقدمه ، وأجمل قصدا ممن كان قبله ، فاستقر الأمر على هذه القضية ،
والسجية المرضية في يوم الأحد مستهل المحرم من السنة.
وفي هذه السنة
اشتد غلاء الأسعار في دمشق ، وعدمت الأقوات ، ونفدت الغلات منها ، واضطر الناس إلى
أكل الميتات ، وأكل بعضهم بعضا ، ووقع الخلف بين المصامدة وأحداث البلد ، وعرف
الملك أتسز ابن أوق مقدم الأتراك [ذلك] وما آلت إليه الحال ، وكان متوقعا لمثل ذلك ، فنزل عليها ،
وبالغ في المضايقة لها ، إلى أن اقتضت الصورة ، وقادت الضرورة إلى تسليمها إليه
بالأمان ، وتوثق منه بوكيد الأيمان.
فلما دخلها في ذي
القعدة سنة ثمان وستين وأربعمائة وحصل بها ، نزل بأهلها منه قوارع البلاء ، بعد ما
عانوه من ابن منزو لعنه الله ، واشتداد البلاء من إنزال دورهم وإخراجهم منها ،
واغتصاب أملاكهم والقبض لها ، واستعمال سوء السيرة وخبث النية والسريرة ، وتواصلت
الدعوات
__________________