في نظره لأنه صار «كالشرح الثاني» بعد أن قام بشرح مفردات القصيدة وإعرابها ، وهو ما يقوم به الشارحون عادة. ونحن نلمح في هذا الشرح روحا نقدية عالية ، أتى فيها بكلام السابقين ، وعقد موازنات بين آرائهم ، وانتقد بعضها ، وأوضح أسباب ذلك ، وأيد البعض الآخر ، وبين بواعث تأييده لها ، ولم يتردد في الرد على مشاهير العلماء إذا ما ظهر له بطلان ما يستندون إليه من أدلة ، وضعف ما توصلوا إليه من نتائج.
وهو في حاشيته على مغني اللبيب ، لم يجعل النقد جزءا من منهجه ، وإنما منهجه كله ، فقد ناقش فيه ، مرّة واحدة ، أربعة من شارحيه السابقين ، بضمنهم مؤلف المتن نفسه ، فجعله ـ كما وصفه المرادي ـ «محاكمة بين شارحيه» وهذا اللفظ ، أعني «المحاكمة» وهو ما نقد كتاب العجلوني عليه لخلوه منه كما رأينا قبل قليل ، وهو ما دفعه أيضا إلى تأليف عدة رسائل في الردود ، ناقش في بعضها كتبا محددة على طريقة (قال) و (أقول) وهي طريقة تمنح المؤلف قدرا واسعا من الحرية في مناقشة النصوص.
إن هذه الروح الجديدة في تناول النص ومناقشة صاحبه مهما كانت منزلته ، هي ـ في تقديرنا ـ أهم ما أورثه السويدي لتلامذته العديدين ، وهو بهذا يمكن أن يكون رائدا لمدرسة نقدية حقيقية في وسع الباحث أن يتتبع مسارها إبان أواخر القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر للهجرة (١٨ و ١٩ للميلاد).
وهذا بدوره يجرنا للكلام عن المسألة الثانية وهي أثر الاتجاه الذي بشّر به ، وبدأه السويدي من خلال كتبه وتلامذته ، على الفكر الاجتماعي في ذلك العهد والعهد الذي تلا ، فإن ما بدأه السويدي من صياغة (موقف حر) في نقد العلماء (والأدباء من ضمنهم) من خلال نصوصهم ، جرّ إلى موقف مشابه من نقد المجتمع من خلال واقعه نفسه. ورغم أن كتابا للسويدي لم يصلنا بهذا المعنى ، إلا أن لنا أن نلمح ذلك في ثنايا مقامة أدبية وضعها لينتقد بها شخصيتين اجتماعيتين بارزتين ، هما القاضي والمفتي ، وربما نجد شيئا أكثر أهمية في نقده الجاد للحياة العلمية والمستوى الفكري في عهده ، من خلال هجومه على ما