وتليها مرحلة المزيريب (١) ، بفتح الميم ، جمع مزراب ، اسم مكان للزرب ، وهو في لغة الشام السّيل يقولون : زرب الماء إذا سال ، وفي القاموس زرب كسمع سال (٢) سميت بذلك لأن قلعتها حول عين منخفض واديها تجري فيه السيول ، وتلك العين اسمها بجّة ، بفتح الباء وتشديد الجيم وبعضهم يميل الجيم. وماؤها عذب إلا أن فيه نوع ثخانة ، (١٦٦ أ) وبعض الناس يقول مزيريب تصغير مزراب ، ولعل جميع ذلك محرف ميزاب أو ميازيب.
وأقمنا فيها ستة أيام غير يومي الدخول والخروج ، لأن عادة أمير الحاج [أن] يعطي الموظف لعنزة (٣) في هذه المرحلة ، ويسمونه بالصر (٤) لما أنه يأتي مصرورا بصرة في الأصل ، ولأن عادة الجمالة يباشرون أكثر حوائجهم منها من شراء جمال وعلف وغير ذلك. وفي هذه المرحلة أخذ السارق من على ظهري اللحاف وأنا نائم ، فأحسست به فانهزم ، وفيها ضاع مشطي ، وفي هذه المرحلة تكثر السراق بزيادة على غيرها ، إذ لا تخلو مرحلة منهم ، قاتلهم الله تعالى.
__________________
(١) المزاريب ، أو المزيريب إحدى قرى حوران إلى الشمال الغربي من درعا ، وتبعد عنها ١٦ كلم ، وهي تقع في واد وعندها بحيرة ، وقد أمر السلطان سليمان القانوني سنة ٩٧١ ه / ١٥٦٣ م ، ببناء قلعة فيها ، حيث يلتقي الحجاج في هذا المكان ، وأوكلت حمايتها إلى قوة من الينكجرية (الإنكشارية) ، وقد وصفها محمد كبريت المدني سنة ١٠٣٩ ه / ١٦٢٩ م بأنها مجتمع الحجاج ، وفيه الأسواق العامرة بما يحتاج إليه الركب ، بل بما يتجر به (رحلة الشتاء والصيف ص ٢٣١).
(٢) القاموس المحيط ج ١ ص ٧٨.
(٣) يريد قبيلة عنزة النازلة هناك.
(٤) الصر ، أو الصرة ، مبلغ من المال كانت الدولة العثمانية تدفعه للمتنفذة من القبائل النازلة على طريق الحج ، بهدف تأمين سلامة الحاج ، وضمان عدم هجومها عليه ، ومساعدتها في معرفة الطريق ، وفي ذات الوقت تتنفع تلك القبائل ماديا بتقديمها الجمال لنقل الحجاج ، مقابل أموال تأخذها ، محمد عيسى بن كنان الصالحي : المواكب الإسلامية بتحقيق حكمت إسماعيل ج ١ ص ٦٤.