يريد أنك إن كنت لست على يقين من الموت (١) والفناء ، فانظر إلى من تقدم من آبائك ، أبقي منهم أحد؟ فإذا علمت أنه ما بقي منهم أحد ، وأنهم قد ماتوا كلهم ، فاعلم أنك ميت ، فلا تبخل بما في يديك ، واسع فيما يبقى لك بفعله ذكر جميل ، وثناء حسن في الناس.
وإن لم تجد من دون عدنان والدا حيّا ، ووجدتهم كلهم موتى ، فاقبل ممن يعذلك ويدعوك إلى فعل الجميل. ويقال : وزع يزع إذا كف.
ويجوز في معناه عندي وجه آخر ، وهو أنه أراد : فإن لم تجد من دون عدنان والدا ميتا فلتزعك العواذل عن إنفاق مالك ، واقبل منها ما تدعوك إليه من البخل والإمساك ، لأنك باق كما بقي.
والعواذل جمع عاذلة ، والعاذلة من النساء إنما كانت تعذلك على الإنفاق لا على الإمساك.
والشاهد (٢) في البيت أنه نصب (دون معدّ) وعطفه على موضع (من) ، كأنه قال : فإن لم تجد دون عدنان والدا ودون معدّ. وهو مثل البيت المتقدم (٣).
[إعمال صيغة : فعل]
٩ ـ قال سيبويه (١ / ٥٧) : «وقد جاء في (فعل) وليس ككثرة
__________________
كما أن ما ذكره ابن السيرافي من معنى رآه لنفسه ؛ مرجوح ، فالقصيدة منذ مطلعها تمتح من الحكمة ، وتشير معانيها في كل بيت إلى عمق في التأمل ، وبعد في النظر إلى الحياة والأحياء وما سيصيرون إليه من الفناء .. وتفسيره للعواذل بالنساء هنا ، يفضله أن تكون بمعنى حوادث الدهر وزواجره ، فيكف عن القبيح ويتعظ بالموت ، كما جاء في شرح الأعلم ١ / ٣٤
(١) في الأصل والمطبوع : الفوت. والأفضل عندي ما أثبتّ.
(٢) وقد ورد الشاهد في : سر الصناعة ١ / ١٤٧ والأعلم ١ / ٣٤ وشرح الأبيات المشكلة ص ٢٠٤ والإنصاف ص ١٨٧ والكوفي ١٦ / ب و ٢٣٤ / ب والمغني ش ٧٣٣ ج ٢ / ٤٧٣ وشرح السيوطي ص ١٥١ وش ٧١٣ ص ٨٦٦ والأشموني ١ / ١٨٨ والخزانة ١ / ٣٣٩ و ٣ / ٦٦٩
(٣) أي مثل بيت عقيبة الأسدي المتقدم في العطف بالنصب على محل (من).