أو هذه العبارة كناية عن التأبيد ، ونفى الانقطاع ((إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ)(١)) أى : إلا وقت مشيئة الله تعالى ((إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ)(٢)) من تخليد البعض كالكفار ، وإخراج البعض كالفساق ((وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)(٣)) أى : غير مقطوع ، بل ممتد لا إلى نهاية.
______________________________________________________
(قوله : أو هذه العبارة كناية إلخ) أى : أن المراد سموات الدنيا وأرضها ولا ينافى التأبيد بها فناؤها قبل الدخول فضلا عن الخلود ؛ لأن الكلام من باب الكناية وذلك لأن مدة دوام سموات الدنيا وأرضها من لوازمها الطول ، والمراد طول لا نهاية له على ما جرى به استعمال اللغة فى مثل ذلك ، فكأنه قيل خالدين فيها خلودا طويلا لا نهاية له ، فهو مثل قول العرب لا أفعل كذا ما أقام ثبير وما لاح كوكب (قوله : ونفى الانقطاع) عطف تفسير (قوله : أى إلا وقت مشيئة الله تعالى) أى عدم الخلود ، ثم يحتمل أن الشارح حمل ما على أنها مصدرية ظرفية فيكون الوقت داخلا فى معناها لأنها نائبة عنه ، ويحتمل أنه حملها على مجرد المصدرية فيكون الكلام على حذف المضاف فالوقت مقدر فى الكلام (قوله : من تخليد البعض) بيان لما (قوله : كالكفار) الكاف فيه استقصائية وكذا يقال فى قوله كالفساق.
(قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا)) أى بالإيمان وإن شقوا بسبب المعاصى ، لا يقال فعلى هذا كيف يكون قوله فمنهم شقى وسعيد تقسيما صحيحا؟ مع أن من شرطه أن تكون صفة كل قسم منفية عن تقسيمه ؛ لأن ذلك الشرط من حيث التقسيم للانفصال الحقيقى أو مانع الجمع ، وهنا المراد أن أهل الموقف لا يخرجون عن القسمين وأن حالهم لا يخلو عن السعادة والشقاوة ، وذلك لا يمنع اجتماع الأمرين فى شخص باعتبارين فتكون ما فى قوله (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا) لمنع الخلود فتجوز الجمع (قوله : عطاء) مصدر مؤكد أى : أعطوا عطاء والجملة حالية.
__________________
(١) هود : ١٠٧.
(٢) هود : ١٠٧.
(٣) هود : ١٠٨.