وبعد عدة سنوات من الكفاح الشاق استطاع هذا الرجل أن يصبح سيد المدينة غير المنازع ، وكان في خدمته فوج من الحرس المختلط ، المتألف من البدو والمغاربة ، وسكان المدينة ، وكذلك العديد من رعاع المدينة وعوامها ، فأخذ يستبد بالناس ، ويظلم الحجاج ، فيبتز أموالهم ، ويصادر ممتلكاتهم ، ويستولي على مخلفات المترفين ، ويصادر الأموال التي تحول من استانبول إلى العتبة المقدسة في المدينة كل سنة ، حتى جمع ثروة جسيمة وأموالا طائلة (١).
وقد رفع أمره غير مرة إلى استانبول ، فإن السلطان لم يجد نفسه قادرا على طرده أو الاقتصاص منه ، وقد اضطر في أحد السنين ركب الحاج السوري إلى العودة قبل الوصول إلى المدينة ، خوفا منه. وعندما بدأت القوات الوهابية بالتوجه إلى المدينة ، ازداد عتوّا وعنفا ، وصارت المخازن والدكاكين تسرق خلال الليل من قبل البدو العاملين في خدمته ، ولمّا شعر أنه لا يستطيع مقاومة الوهابيين استسلم لهم شريطة ابقائه في منصبه ، فوعد بذلك ، وتمّ له ما أراد ، فقد وضعت حامية وهابية في القلعة ، وأجبر آغا الحرم والأتراك الذي كانوا بالمدينة من الانسحاب. وهكذا بقي حسن القلعي حاكما على المدينة ، وتحمس للمذهب الوهابي (٢)
وبدأ يضغط على أهل المدينة لاعتناقه بأقسى الوسائل وأعنف الطرق ... (٣)
وعندما زحفت الجيوش المصرية بقيادة طوسون بن محمد علي باشا على المدينة ، وجد أن الفرصة أمامه ضعيفة ، فدخل في مفاوضات سرية معه ، ووعده بابقائه في منصبه عند استسلام المدينة لطوسون ، وبعد أن قضي على الحامية الوهابية واستبعد خطرها ، ألقي القبض على القلعي وزميله مذيان قائد الوهابيين ، وقيدا بالحديد والسلاسل ، ثم بعث بهما إلى القاهرة ، ومنها إلى استانبول حيث لقيا ما يستحقانه من الجزاء ، وقد عذب في المدينة من قبل قوات محمد علي باشا أشد أنواع التعذيب (٤)
__________________
(١) نفس المصدر السابق ص ٢٥٨
(٢) الكاتب ذكر المذهب الوهابي وهو ليس بمذهب بل هو عودة للأصول الإسلامية بعد أن طرأ عليها العديد من البدع.
(٣) نفس المصدر السابق ص ٢٥٩
(٤) موسوعة العتبات المقدسة ص ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ، عنوان المجد في تاريخ نجد ج ١ ص ٢٨٨ وما بعدها