انتقل إلى حمص ، فأقام بها مدّة سنين ، وحصل بينه وبين الأمير سيف الدين أرقطاي صحبة هناك ، فلمّا نقل أرقطاي إلى صفد ألزمه بالحضور ، فكان رحمة للنّاس عند أرقطاي تلك المدّة الطويلة ، فلمّا بنى أرقطاي مدرسته جعله إمامها وشيخها ، وسلّمها إليه ، كان يقصد للزّيارة وللبركة ، ونفع النّاس في الاقراء والميعاد ، ثمّ راق آخر عمره فانقطع واختفى حتّى مات.
جاء مرّة المقر السّيفي منكلي بغا للزيارة فهرب منه وتخبأ بين القبور ، ومن رياضته أنّه وقع غلاء بصفد ، وكان عنده قمح ، فرأى النّاس يتقاتلون على الخبز في الأسواق ، فباع القمح وشرع يسعى في تحصيل الخبز ، وقال : أساوي أمّة محمد فيما هم فيه من الشدّة.
وجرى لي معه غرائب منها أنّي نويت الانقطاع وترك الوظائف ، والأهل والفرار لتحصيل العلوم المهمة ، فقلت : أستشير الشيخ ، فجئته فوجدته يتكلم على الناس ، فجلست لسماعه ، ولم أكلّمه فقال : أراد رجل من بني إسرائيل أن يترك الدّنيا ، ويعتزل الناس ، فخرج على وجهه ، فلقي صخرة مكتوب عليها اقلبني تنتفع فعالجها فقلبها ، فوجد تحتها لوحا مكتوبا أنت لم تعمل بما علمته ، فكيف تطلب عمل ما لم تعلمه ، ثمّ شرع يذكر حالي حتّى اقشعر جلدي ، فلمّا فرغ قلت : لم يبق لك كلام معه ، فخرجت فتبعني وعانقني ، وقال : حبيبي لا فجع الله أمّة محمد فيك الزم السنة ، وكان يوم موته يوما مشهودا ، لمّا حفر قبره ، وعمل ليوضع فيه تفجّر بالماء من كلّ جانب عيونا ، فتحيّلوا حتّى وضعوا في القبر أغصان دوالي ووضع عليها.
وله محبّون ومريدون ، فمنهم : محبّ المحبّين ، وأحد الإخوان الصادقين ، صاحب الاحتمال والخدم والاحتشام ، وسلوك طريق واحد على الدوام ، ذو الكسب الحلال وملازمة الابتهال ، له أقوال وأحوال ، ومات موت الرّجال : الشيخ أحمد العجمي ، وجماعات كثيرون.