فكان جواب أبى
عزيز : أمّا ما كان بأطراف نجد ، فالعتب فيه راجع على من قرب من خدام الديوان
العزيز الكاف ، وأما ما ارتكبوه بين الحرمين ، فهو مشترك بين بنى الحسن والحسين.
قال : وكأنهم رأوا فى هذا الكلام استخفافا لم يحتمله الديوان العزيز ، فكانت أول
الوحشة حتى أظهر التوبة ، وأرسل ابنه والأشراف بأكفانهم منشورة بين أيديهم وسيوفهم
مجردة. وذكر وزيره النجم الزنجانى أن أبا عزيز ، وقع بالفصل الذى كتب إليه من
بغداد ، ولم يزل هجّيراه ، إلى أن أنشده فيما نظمه [من الوافر] :
بآرام فتنت بكل
ريم
|
|
وهم عموا فؤادى
بالعميم
|
وفى وادى العقيق
رأوا عقوقى
|
|
كما حطموا ضلوعى
بالحطيم
|
فأتى بما لا يخفى
انطباعه فيه.
ومن مختار شعره ،
قوله [من الخفيف] :
أيها المعرض
الذى قوله إن
|
|
جئت أشكو فضحتنى
فى الأنام
|
فأرح نفسك التى
قد تعيت
|
|
وأرحنى من بث
هذا الغرام
|
كان هذا يكون
قبل امتزاجى
|
|
بك مزج الطلا
بماء الغمام
|
ليس لى من رضاك
بد وقصدى
|
|
يوم عيد من سائر
الأيام
|
وقال أبو سعيد أيضا.
قال الزنجانى : ومما يجب أن يؤرخ من محاسن الأمير أبى عزيز ، أن شخصا من سرو اليمن
، يعرف بنابت بن قحطان ، ورد برسم الحج ، وكان له مال يتاجر فيه ، فتطرق إليه أبو
عزيز ، بسبب احتوائه عليه ، قال : فبينما هو يتمشى فى الحرم ، إذ سمع شخصا يقول ،
وهو يطوف بالبيت : اللهم بهذا البيت المقصود ، وذلك المقام المحمود ، وذاك الماء
المورود ، وذاك المزار المشهود ، إلا ما أنصفتنى ممن ظلمنى ، وأحوجت إلى غيرك ، من
إلى الناس أحوجنى ، وأريته بعد حلمك أخذك الأليم الشديد ، ثم أصليته نارك ، وما هى
من الظالمين ببعيد.
فارتاع أبو عزيز ،
ثم حمله طبعه وعادته ، على أن وكل به من يعنفه ، ويحمله إلى السجن بعنف ، وانصرف
إلى منزله ، وكان له جارية حبشية ، نشأت بالمدينة ، فقالت : يا أمير حرم الله ، إن
لك الليلة لشأنا ، فأخبرها بخبر الشخص ، فقالت : معاذ الله يا ابن بنت رسول الله ،
أن تأخذك العزة بالإثم ، رجل غريب قصد بيت الله ، واستجار بحرم الله ، تظلمه أولا
فى ماله ، ثم تظلمه آخرا فى نفسه. أين عزبت عنك المكارم الهاشمية والمراحم النبوية
، غير هذا أولى بك يا ابن فاطمة الزهراء! قال : فعمل كلامها فى خاطره ، وأمر
بإحضار الرجل ، فلما حضر ، قال : له ، اجعلنى فى حل ، قال : ولم؟ قال :