عنان لما بلغه من تقرير السلطان له فى نصف الإمرة بمكة ، شريكا لعلى بن عجلان ، بشرط حضور عنان لخدمة المحمل ، وبرز للقائه حتى كاد يصل إليه ، فبلغه أن آل عجلان ، يريدونه بسوء عند لقائه ، وتبع أصحابه إلى الزيمة ، فأتاهم إليها على بن عجلان فى طائفة من جماعته ومن الترك ، فقتلوا بعض الأشراف وغيرهم ، وعادوا ظافرين بخيل ودروع ، لأنهم لما وافوا الزيمة ، كان الأشراف فى غفلة عنهم ، وفى تعب من قتالهم لقافلة بجيلة ، فأعرضوا عن قتال على ومن معه.
وبعد الموسم نرل عنان وأصحابه وادى مر ، واستولوا عليه وعلى جدة ، وحصل فى طريقها وغيرها من الطرقات نهب وخوف ، وكتب عنان إلى السلطان يعتذر عند ترك حضوره لخدمة المحمل ، لما بلغه من قصد آل عجلان له بالسوء ، وشكاهم إليه ، فكتب إليه السلطان يقول له : أنت على ولايتك ، فافعل ما تقدر عليه ، فما تم له فيهم مراد ، لاختلاف أصحابه عليه.
فسار فى أثناء سنة تسعين وسبعمائة ، وهو حنق عليهم إلى مصر ، وما وجد بها الإقبال الذى كان يعهده ، وأقام بها مطلقا ، إلى أن زالت دولة الملك الظاهر ، وصار الأمر لمن كان قبله ، وهو الصالح حاجّى بن الأشرف شعبان ، ولمدبر دولته الأمير يلبغا الناصرى ، فسعى له عنده فى عوده لولاية مكة ، فأجيب لقصده ، ووعد بإلباس خلعة الولاية ، فى يوم عيّن له ، فلم يتم له الأمر ، لأنه فى ذلك اليوم ، ثار على الناصرى أمير يقال له تمربغا الأفضلى ، ويلقب منطاش ، وما كان غير قليل ، حتى قبض على الناصرى. ونحو أربعين أميرا من أصحابه ، وبعد قيام منطاش بقليل ، قدم إلى مصر محمد بن عجلان ، فسعى عند منطاش فى حبس عنان ، فأجيب ، وحبس عنان مع بعض مماليك الظاهر ، فى النصف الثانى من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.
ثم خلصوا هم وعنان ، وصورة خلاصهم ، أنهم نقبوا نقبا من الموضع الذى كانوا مسجونين فيه من القلعة ، فوجدوا فيه سربا ، فمشوا فيه حتى انتهوا إلى موضع آخر فنقبوه ، فخرجوا منه إلى محل سكن نائب القلعة ، فصاحوا على من بها ، وهم غافلون ليلا ، فأدهشوهم ، وكانوا فى قلة ، لخروج منطاش وغالب العسكر إلى الشام لقتال الظاهر ، فإنه ظهر بالشام ، واجتمع إليه ناس كثير ، والتقى بشقحب ، مع العسكر الذى فيه الصالح ومنطاش ، فتم النصر للظاهر ، وقبض على الصالح وغيره ، وفر منطاش إلى دمشق هاربا ، فتحصن بها.
وكان سبب إطلاق الظاهر ، أن الناصرى حين أحس بظهور منطاش عليه ، كتب