__________________
وكان الأمير محمد بن جهور مريضا طريح الفراش ، فوقع أسيرا في يد أعدائه ، ولم يعش بعد هذه الخيانة المروعة سوى أيام قلائل. ولم يكن مصير إبنه عبد الملك بأفضل من مصيره ، فقد عاد من مطاردة الطليطليين إلى قرطبة ، فألغى أبوابها المغلقة دونه.
ولما طلب إليه التسليم أدرك في الحال ، ما ارتكبه الحلفاء الغادرون من خيانة أثيمة.
واستشاط سخطا ووجدا ، فألقى بنفسه أمام قوة كبيرة تحدق به من كل صوب.
ولبث يقاتل قتال المنتقم اليائس حتى أثخن جرحا ، وسقط من فوق جواده مغشيا عليه ، ثم توفي في الأسر بعد ذلك بأيام وهو يصب اللعنات على ابن عباد وعلى أهل قرطبة اللذين استقبلوا الخونة طائعين سنة ٤٥٢ ه / ١٠٦ م.
والطريقة التي اتبعها المعتمد في أخذ قرطبة ترينا طابع السياسة المكيافيللية التي كانت غالبة على هذا العصر بوجه خاص ، وتكشف لنا عن سوء علاقة ملوك الطوائف بعضهم ببعض ، وكيف كان كل منهم يبغي هلاك الآخر ليستلب ملكه». وندب المعتمد بن عباد ولده الفتى عبادا الملقب بالظاهر وسراج الدولة لحكم قرطبة ، التي يتصل تاريخها من ذلك الحين بتاريخ مملكة إشبيلية.
ولم يكن ابن ذي النون يعتقد أن مسألة قرطبة قد انتهت وإنها قد خلصت لابن عباد ، فشن غارة على أحوازها مع جنود حليفة الفونسو السادس ، ولكن الأمير الشاب الناشئ إستطاع أن يصد هجومهم ويدفع غائلتهم.
وعقد ابن ذي النون على الاستيلاء على قرطبة وذلك بمساعدة ابن عكاشة.
وكان ابن عكاشة رجلا سفاكا للدماء ، كما كان من قبل قاطع طريق يعتصم بالجبال ، ولم تكن تنقصه الكفاءة كما أن معرفته بقرطبة كانت معرفة الخبير حيث قدر له أن يلعب دورا فيها من قبل حين كان في يده أحد حصونها ، فأخذ يدبر المكائد ويحيك