وقد أنشأ زيادة الله الثالث آخر أمراء الأغالبة فى عهده بركة أو ماجلا طوله خمسمائة ذراع وعرضه أربعمائة ذراع وأجرى إليه الماء بالسواقى وسمى هذا الماجل الفسيح بالبحر ، وأقام على إحدى ضفتيه قصرا من أربعة طوابق سماه العروس ، وأنفق على إنشائه فيما يقرب من ٠٠٠ ، ٢٣٢ دينار. غير أن الفاطميين فى عهده كانوا قد أوغلوا فى بلاد إفريقية وكثر جندهم ، واقتربوا من القيروان ، وهنا جمع زيادة الله ألفا من أهل بيته وهرب بهم إلى مصر تاركا بلاد إفريقية مقر ملكه للفاطميين (١).
ومما لا شك فيه أن الحياة الاقتصادية قد ازدهرت فى إفريقية بقيام دولة الأغالبة ، فاستفادوا من وضع البلاد الجغرافى فجمعوا الثورات الطائلة. وبفضل الموانئ المنتشرة على شاطىء البحر المتوسط وهى موانئ سوسة وتونس وبجاية ، أمكن للأمراء الأغالبة أن يقيموا الأساطيل ويحرزوا الانتصارات وقد انعكس أثر هذا على سكان إفريقية فانتعشوا اقتصاديا.
ونتيجة إحكام الأغالبة على زمام البحرية دون منازع ، احتكروا دور الوساطة التجارية
__________________
ـ أربعة أبواب وبأعلاه قبة يحملها ١١ عمودا ، وبجوار هذا الماجل مباشرة ، وفى الجهة الشمالية منه ماجل آخر أقل إتساعا يعرف بالفسقية يتلقى مياهه من الوادى عند جريانها ، فيخفف سرعتها ، وعندها يمتلىء بالمياه حتى ارتفاع قامتين ، وتتدفق فى الماجل الكبير عن طريق فتحة يسميها الصرح وكان قد شرع فى بنائه الأمير إبراهيم بن أحمد سنة ٢٤٥ ه وأتمه سنة ٢٤٨ ه ، ويروى أنه أعتل أثناء اتخاذ الماجل بالقصر القديم ، فكان يسأل : هل دخله الماء؟ إلى أن دخله الوادى ، فعرفوه بذلك فسر به ، وأمرهم أن يأتوه بكأس مملؤة منه فشربها وقال : الحمد لله الذى لم أمت حتى تم أمره ثم مات على أثر ذلك.
وكان بالقيروان فيما يذكر البكرى ١٥ ماجلا كانت هذه المواجل مستديرة الشكل ، تكسو سطوحها طبقة من البلاط شديد الصلابة.
انظر ابن الخطيب : المصدر السابق ج ٣ ص ٢٣ ، والبكرى : المصدر السابق ٢٥ ، والإدريسى :
المصدر السابق ١١٠.
(١) ابن عذارى المصدر السابق ج ١ ص ١٨٦ ، وسعد زغلول عبد الحميد تاريخ المغرب العربى ج ٢ ص ١٦٧ ، وص ١٨٢. ومحمد إسماعيل عبد الرازق الأغالبة ص ٤٠ ، والإدريسى نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق ص ١٢١.