بل أهل المدينة ؛ لأن يوم وصوله إليهم كيوم العيد.
وزار في بدايته صحبة الشيخ عمر العرابي من طريق الماشي ، وما كان قوتهما إلا ورق الشجر ، وكانا اصطحبا وهما شابان ، وكان له إحسان كثير إلى الشيخ عمر ، وهو السبب في نقلته من اليمن إلى مكة ، واشترى له داره بالمروة وبناها له ، وبنى لولده محمد دارا أيضا وزوجه بابنته أم الهدى.
وزار القدس الشريف واعتمر من هناك ، وكان يعتمر من مكة في الثلاثة الأشهر رجب وشعبان ورمضان في كل يوم مرتين ؛ مرة بعد الصبح ومرة بعد العصر مع الصيام والإفطار وقت الغروب على ماء زمزم وعلى تمرة أو لقمة ، ثم لا يأتي بيته إلا في الربع الرابع لاشتغاله بين المغرب والعشاء بالصلاة ، وبعد العشاء بالطواف والسعى (١) ، ثم يحيي الليل ما عدا الربع الأخير طوافا وصلاة وتلاوة ، وفي الربع الأخير يأكل أكله وينام ويقوم لصلاة الفجر ، وكان دأبه ذلك أربعين سنة ، وباقي السنة الصيام ، والقيام ، والتلاوة ، وقضاء حوائج الناس.
ولما أرسلت جهة فرحان زوج الملك الأشرف ابن الأفضل الشيخ الشنيني ومعه ألف دينار ليعمل لنا بمكة شيئا تذكر به في الدنيا والأخرى أعجله السفر ، فوكل الشيخ علي البعداني وأعطاه المال فاشترى دكان الرباط المشهور به بمكة ، وشرع في بنائه وقصرت النفقة عن تكميله فأرسل عرفها بذلك ، وكان بلغها من مستنيبه علمه وصلاحه ، وأرسلت إليه بما كمل به ، وصارت ترسل إليه في كل سنة بوقر جلبه من الطعام والطيب والفرش والشمع والسليط وما يحتاج إليه فيعمل للفقراء أسمطة خاصة في رمضان ، وفي ربيع ، وفي الأعياد ، ووسّع الله عليه فكان لباسه وربحه وطعامه في غاية ما يكون من الكمال ، وشرع في عمارة ما انهدم من مسجد الخيف ، ثم في بناء بئر علي
__________________
(١) في الأصل : والمسعى.