فغضب نفسا ولم يحضر أخوه إبراهيم ، فأمروه بإحضاره ليلبس خلعته ، فأرسل إليه وطيّب خاطره ، فحضر في يوم الثلاثاء ولبس خلعته ، وقرئ المرسوم المتقدم بالمسجد بالصفا ، ولم يحضر الأمير أقبردي ومقدم الأجناد المقيمين بمكة أمير الرجبية ، وقال إنه شرب دواء فتوجه إليه الشريفان والأمراء للسلام عليه ، فلما دخلوا عليه أظهر مرسوما فقرئ باللسان التركي ، وهو يتضمن القبض على الشريفين فقبض عليهما وبوشا في أعناقهما بباشتين (١) فتفرق أصحابهما ، ولم يحصل في مسكهما ضرر ولا خلل (٢).
وأنشد الشعراء في ذلك ونادى الأمراء بالأمان والاطمئنان ، وأن البلاد للسيد أبي القاسم وكان بمصر ، وأرسل لولده زاهر بعد الحلف له ، فحضر فقرئ مرسوم والده وألبس الخلعة التي لبسها عمه علي ، وطاف ودعي له على زمزم وشق مكة على العادة.
وفي ثامن الشهر توجه الأميران والسيد زاهر بالشريفين إلى جدة وأركبا في الحال في مسبوق مع عشرة مماليك ، ولما وصلا لمصر حبسا بالبرج في القلعة ، ثم نقلا منه في سنة تسع وأربعين إلى الاسكندرية ثم نقلا إلى دمياط واستمرا بها إلى أن ماتا.
وتعلم هذا بدمياط النحو ، وعمل هناك «قصيدة على وزن بانت سعاد» ورويها وقافيتها أجاد فيها.
وكان حسن المحاضرة ، كريما شجاعا ، ذا ذوق وفهم ، ونظم حتى قيل أنه أحذق بني حسن وأفضلهم.
ومن نظمه قصيدة طويلة جزلة الألفاظ أنشدها لبعض الفضلاء في القاهرة سنة سبع وأربعين منها :
__________________
(١) الباشة : لعلها آلة توضع مع الزنجير لتقييد المذنب. (انظر : نيل المنى ٢ : ٩٤٨).
(٢) إتحاف الورى ٤ : ١٨٧.