الصدقة التي جاء بها إنما هي لحمل الضعفاء وأنه اشترى ببعضها زرابيل (١) للفقراء ثم أرضوا الشريف وتخلصوا (٢).
وفي أوائل سنة اثنتين وثمانين جمع عسكرا كثيرا جدا واحتفل له احتفالا زائدا ، وتوجه إلى جازان من بلاد اليمن لقبضه على صاحبها. لعله لأمور منها : إكرامه لأخيه علي لما وفد عليه مغاضبا لأخيه ، ثم تعديه من البحر إلى سواكن (٣) حتى وصل إلى صاحب مصر. ومنها إيواءه لمن ينفيه من عسكره ومنهم ذوو عمر المقيمين عنده الآن ، فلما وصل إلى جازان حاصرها أياما يسيرة ، وجاءه المشايخ ودخلوا عليه بالصلح فقال لهم السيد محمد : بعد أن جئت إلى هنا فلا بد أن أدخل من باب وأخرج من الثاني ولا أحدث شيئا ، فامتنع صاحب جازان الشريف أبو الغوائر وقال : لا يمكن ذلك أبدا ، وبرز للقتال وصف عسكره للقتال ، فعزم السيد محمد على ملاقاتهم ، فبينما هو يريد الركوب وإذا بأوائل عسكره تلاقي مع عسكر صاحب جازان ، ورمى بعض العسكر نارا في بيوتهم وغالبها عشش ـ الداخل من البلاد والخارج ـ فأرسل الله تعالى ريحا قوية حملت الشرر إلى داخل البلاد فأحرقتها. فلما رأى ذلك عسكر صاحب جازان هربوا من الباب الثاني ، ثم هرب هو وباقي عسكره وخلت البلد منهم ، وحينئذ دخلها العسكر ونهبوها جميعا (٤) وأخربوا الحصن وجميع ما فيه ، وكان فيه جملة من المتاع والثياب والكتب ، وأحرق باقي البلد وخرب سورها وجميع ما فيها من الدور خلا المساجد ، وقتلوا كثيرا
__________________
(١) زرابيل أو سرابيل : وهي جمع زربال أو سربال وهو القميص أو كل ما يلبس (لسان العرب ، القاموس المحيط ، المنجد).
(٢) إتحاف الورى ٤ : ٦٠٤ ـ ٦٠٥ ، وغاية المرام ٢ : ٥٢٣.
(٣) سواكن : بلد مشهور على ساحل البحر الأحمر ترفأ إليه سفن الذين يقدمون من جدة ، وأهلها بجاة سود وهي جنوب بور سودان. (معجم البلدان ، المنجد).
(٤) في الأصل : جميعها.