ذكر خروجنا من مكة المشرفة
بعد قضاء المناسك كلها والإتيان بالعمرة على تفصيلها والإحرام بها من مكان الإحرام فقد تم ذلك على الوجه الأكمل تقبل الله منا جميع ذلك وأننا مكثنا في مكة ما مكثنا أعني المدة المعلومة كما قيل.
أقمنا بها يوما ويوما وثالثا |
|
ويوما له يوم الترحل خامس |
إذ مدة إقامتنا في مكة نحن مشتغلون بالطواف والذكر والنظر في الكعبة على أكلم حال وأتمه ليلا ونهارا والحمد لله تعالى على ذلك وقد انفصلنا من مكة عند الظهر والبعض عند العصر أما أحمالنا وأهل بيتنا فعند صلاة العصر إذ ودعوا البيت عند ذلك الوقت وأما أنا فقد ودعته ذلك الوقت ظنا مني الانفصال ثم ظهر لي بعض الشئون لا سيما المحب في الله والأخ من أجله سيدي محمد الشريف الطرابلسي فانتظرته إلى أن صلينا المغرب فودعت التوديع بقلب حاضر فلما كمل الوداع ، وتم الانتفاع ، واشتاق الروح وأصابه الاتساع من ألم الفراق ، واضطرمت نار الشوق في الفؤاد وأصابه حر الاحتراق ، فركبنا وانفصلنا والحمد لله فوصلنا إلى موضع الخيام عند العشاء أو بعدها بقرب وخرجنا من أسفل مكة من الموضع المسمى بكدى بضم الكاف وهو الموضع الذي خرج منه النبي صلى الله عليه وسلم إذ يستحب الخروج منه وهو باب الشبيكة ونزل الركب هناك في منزله المعلوم ينتظر كمال الرفقة والعالم بالأحكام كلها يخرج من كدى اقتداء به صلى الله عليه وسلم في حجته على أن ابن رشيد ذكر في رحلته عن بعض الأئمة أن الخروج إلى عرفات من الثنية السفلى أيضا فروي عن الحافظ أبي محمد بن أحمد الأندلسي قال كداء الممدودة هي بأعلى مكة عند المحصب حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي طوى إليها أي صعد إليها وكدى بالضم والتنوين بأسفل مكة عند ذي طوى بقريب من شعب الشائعين