الزحام قال وتأملت بسيط منى وشعابه وتبينت سعتها وامتدادها وكانت في أيام الموسم ربما يخيل إلى الناظر ضيقها لكثرة الخلق ومن رأى منى وما حولها من الأماكن في غير أيام الموسم علم حسن تشبيه من قال من أراد أن ينظر إلى الدنيا بعد انقراض أهلها فلينظر إلى منزل الركب بعد ارتحاله.
ومنى في أيام الموسم هي الدنيا بأسرها قصور عالية وأسواق حافلة وجنود مجندة وملابس فاخرة وأطعمة شهية ومراكب هنية وبضائع غير معدودة ومتاجر ثمينة إلى أنواع العبادات من تكبير وتهليل وصلاة وقراءة ونحر وذبح وإطعام طعام ورمي جمار وما الدنيا محمودها ومذمومها إلا ما ذكرنا ولا تمر على ذلك كله إلا ثلاثة أيام حتى لا تحس منهم من أحد ولا تسمع لهم ركزا فلا ترى في منازلهم إلا عظاما نخرة وخرقا بالية وفضلات منتنة وغثاء أحوى وقثاما أغبر تسفيه الرياح وتذروه وهذا هو المثل الحقيقي للدنيا فليعتبر أولو الأبصار من سكان البادية والأمصار انتهى كلامه.
ومزارات مكة كثيرة جدا بل أعظم المزارات ومحط أمال الراغبين ومنتهى سير الأملين ومناخ همم العارفين وغاية منية الشائقين وقبلة العابدين ووجهة المعتبرين وإليها تفد الوافدون ومسقط رأس سيد العالمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين فيا لها من بلدة ما أعز سناها فأهون بالطريف والتليد في الاحتماء بحماها جنة من دخلها كان من الآمنين ومن نحا نحوها من الفائزين ولله در الإمام أبي علي اليوسي رضي الله تعالى عنه وأرضاه وأناله منه بغاية مناه إذ يقول وما أحسن ما يقول في وداع وفد الله :
أحجاج بيت الله سيروا وأبشروا |
|
بما لم ينله رائح ومبكر |
وطيروا عجالى فوق أجنحة القطا |
|
وأجنحة الشوق المبرح أطير |
إلى أن قال :