قال شيخنا المذكور ولما كانت الليلة الثالثة (١) بالغ أهل مصر وأهل الشام في إيقاد المشاعل (٢) والمصابيح واتخاذ المصانع منها وصور الأشجار والأخبية وإكثار الرمي بالمدافع والبنادق والمحارق المرتفعة في الجو وفي ذلك نزهة للأبصار ، وتسلية للأفكار ، ومجال للاتعاظ والأذكار ، والقبول والإنكار ، منزل جميع أصناف العباد ، وحشر إليه عمار البلاد ، فهو أجمل الأندية ، ومبانيه أحسن الأبنية ، تشرق في النهار فساطيطه المؤنقة وفي الليل بالمصابيح المشرقة.
قال الإمام أبو سالم وبالجملة فأيام منى غرر في أوجه الزمان ، ومواسم الفرح وسرور لأهل الإيمان ، ومناهل رحمة ومغفرة من الله ورضوان ، ومجال بركة وعافية وأمان ، يتجلى فيه الحق لوفده بصفة الجمال ، جزاء على رضاهم قبل ذلك بتجلي الجلال ، فهنالك يستصغر المرء ما قاساه في طريقه من الشدائد ، في جنب ما حصل له من النعم والفوائد ، انتهى.
وفي اليوم الثالث أخذ الناس في الرحيل والتجهيز للانتقال إلى مكة لقوله تعالى : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى) وتعجلت الأركاب وطويت الأخبية ، ونقضوا الأبنية ، وفي تلك الأيام لا تقع صلاتنا إلا في مسجد الخيف الذي نزلنا حذاءه وهو المسمى بمسجد علي قيل أن علي بن أبي طالب أول من بناه وهو موضع منزل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في حجة الوداع.
قال الإمام أبو سالم هذا المسجد من المحراب إلى الباب أربعمائة قدم وعرضه ثلاثمائة وأربعون وبوسط المسجد قبة مثمنة كل ثمن منها أربعة وعشرون قدما ورأيت
__________________
(١) في الرحلة الناصرية الثانية وهو الأصوب.
(٢) لا توجد هذه الكلمة في الرحلة الناصرية.