ذكر دخولنا قسنطينة
ثم ظعنا منه صباحا فسرنا أياما في عافية إلى أن وصلنا إلى مدينة قسنطينة وهي مدينة في وطننا وقاعدة من قواعد بلادنا وإن لم يكن فيها السلطان ففيها نائبه السيد الباي وهي مدينة قوية ليست كبيرة جدا ولا صغيرة أيضا وعليها سور كبير وفيها أبواب ثلاثة باب الوادي وباب الجابية وباب القنطرة وفيها بويب صغير يخرج منه الآدمي وفيها أسواق كثيرة ودكاكين طيبة ومساجد للجمعة نحو الخمسة وبعضها في غاية الإتقان كمسجد الباشا في طرابلس وأظن أن صانعهما واحد وهذه المدينة مبنية على كهف وجرف عظيم يكاد من سقط منه أن يهلك بل يموت قطعا وفيها قصبة عظيمة وعسكر من الترك بقدر حالها وباي سطوته عظيمة وحاله كبير وعساكره كثيرة تنفذ منها للجزائر أموال عظيمة من المغرم ومددها قوي وظلمها كثير وسعرها رخيص واسعة الأرزاق كثيرة الارتفاق ممدودة الإنفاق كثير فيها اللحم والسمن والقمح والتين ما أحسنها من زرع ودرع وضرع تأتيها القوافل من كل النواحي قليلة الفواكه كثيرة المزارع محصنة تحتها واد كبير وماؤه عذب منه يشربون إذ ينقلون ماءه إلى الديار وفيه يسقون ويستسقون ويغسلون ويغتسلون وعليه بنيت المدينة من قديم الزمان.
وقد سمعنا أنها من عهد إبراهيم الخليل عليه السلام لم يطفأ لها سراج ولا استقر فيها أمير دائما هي لنائب السلطان وهي من إفريقية وأحسن عمالتها إذ لا توجد أرضا طيبة ولا ربوة عظيمة للمال والحرث أحسن منها فأنها لا يقل رزقها أصلا ولا يدوم فيها الغلاء لا تخلو عن العلم غير أن تدريسه فيها أنما يكون في بعض الأوقات كالشتاء وأول الربيع وأما سائر الأوقات فليس فيها العلم الغزير ولا انعدامه رأسا فليس يفقد جملة ولا يستمر كلية فولاتها لم يشتغلوا ببناء المدارس ولا بكثرة الأوقاف والأحباس