والرحيم والقاسي ، والمتيقظ والناسي ، لكل أحد جليسه ، ولكل محب أنيسه ، فما تشتهي بين يديك ، فزت فيها أن انتهيت عن حديك ، وإلا طرحت في مزابل نفسك ، وهوان جسدك وعهدك ، فلا توافق فيها أمر نفسك وضدك ، وإلا هلكت بقرينك وندك ، كريمة للكرماء ، طيبة لذوي الخشية من العلماء ، مهلكة للفسقة والظلمة من الأرض والسماء ، فلا تعجب من نمر ودها ، ولا تفرح بسعودها ، ولا تعتمد على جدودها ، ولا تفتتن بحسن خدودها ، ولا تغتر برشاقة قدودها ، ولا تستحسن ما كان من قواعدها ، فإن ذلك كله غرة ، وبلية وضرّة ، ومع ذلك لا تخلو عن بعض العدل إلى قيام الساعة كما أخبرته غير واحد من العلماء.
وقد قال صاحب الأدلة السنية النورانية على مفاخر الدولة الحفصية ما نصه :
الباب الثاني في التعريف بمدينة تونس وما يتصل بذلك : وهي مدينة إسلامية أحدثت عام ثمانين من الهجرة وكان أبو جعفر المنصور العباسي إذا قدم عليه رسول أمير إفريقية (١) يقول ما فعلت إحدى القيروانين يعني تونس تعظيما لها وهي اليوم قاعدة البلاد الإفريقية وأم بلادها وحضرة السلاطين من الخلفاء الحفصيين ومهاجر أهل الأقطار من الأندلس والمغرب وغيرهما فكثر خلقها واتسع بشرها ورغب الناس في سكناها وأحدثوا بها المباني والكروم والبساتين حتى بلغ ذلك النهاية حتى لا يوجد في غيرها وبينها وبين القيروان مسيرة ثلاثة أيام وبينها وبين البحر نحو أربعة أميال وبينها وبين قرطاجنة نحو عشرة أميال وبين تونس ومرساها بحيرة (٢) يقال أنها كانت كثيرة الجنات والمياه والزروع (٣) طيبة الفواكه فغلب عليها ماء البحر.
__________________
(١) في ثلاث نسخ رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(٢) في نسخة جزيرة.
(٣) بياض في نسختن ولم ينبه عنه في غيرهما وفي نسخه بإسقاط الزروع وفي ثلاث نسخ الزرود وجملة العبارة موجودة في كتاب المؤنس في أخبار إفريقية وتونس ص ٦.