من غالب طريقه وبني ما يحتاج للبناء فيها حتى أن الدابة يمكنها الصعود براكبها إلى أعلاه وفي أعلاه شبه مسجد على باب القبة يصلى فيه والغار أسفل من القبة بين صخرات هنالك وهو صغير جدا يسع ثلاثا أو أربعا فيما أظن ويصلي فيه الناس للبركة وقد جلسنا هنالك هنيئة وباب الغار متنكب إلى ناحية الشمال.
قال وقد كنت أسمع قبل هذا ورأيته منصوصا أن الجالس في الغار يرى الكعبة ولذلك اختار النبي صلى الله عليه وسلم التحنث فيه لأن النظر إلى البيت عبادة فتجتمع له فيه أنواع العبادات التي لا تكاد تجتمع فيه غيره وهذا لا يصح إلا أن أريد المحل الذي هو فيه فإن البيت قبل أن يتكنفه البنيان العظيم قد يظهر من الخارج وأما من الغار فلا.
قال وأخبرنا شيخنا أبو مهدي أنه خرج ذات مرة للتحنث بهذا الغار وكان يخرج إليه بهذا القصد قبل ذلك وخرج إليه في هذه المرة مع ثلاثة من أصحابه من الهنود وكان اثنان مقيمين معه والثالث يتردد عليهما بما يحتاجون من ماء وطعام.
قال كان معي بداية المجتهد للحفيد ابن رشد أطالع فيها أحيانا فبينما هو ذات يوم في الغار وصاحباه في القبة والثالث تحت صخرة هنالك إذ عرض في السماء عارض غيم وبرق ثم أرزم الرعد وأتى بأمر هائل ما رأيت مثله قط فلم أشك أنه الموت ولزمت مكاني وطبت نفسا بشرف البقعة فقلت حبذا لقاء الله تعالى في هذا المكان وألزمت نفسي حضور القلب منتظرا حلول القضاء حتى انكشف ذلك وخرجت من الغار فإذا صاحباي اللذان في القبة قد ماتا وأحدهما جالس على هيئته لم يتغير منه شعرة والآخر شاقط قد سال الدم من بعض منافذه فلم أر منظرا أهول ولا أفزع من ذلك فالتمست الثالث من أصحابي فوجدته تحت صخرة وقد سلمه الله تعالى فبعثته إلى مكة ليعلم أصحابنا فبقيت هنالك وحدي منفردا معهما في الليل