وبالجملة فلعبيد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخدام مسجده جلالة قدر وعظيم منصب وسعة أرزاق وكرم أخلاق وهم أحقاء بذلك ولكبيرهم كلمة نافذة في المدينة وتصرف تام ويد مبسوطة وهو أحد عظماء الولاة بالمدينة تنفذ أحكامه وتمضى تصرفاته في القوي والضعيف والشريف والمشروف ويطأ عقبه الكبراء والأشراف.
وإذا كان أول رجب جعل الناس يقدمون من أقطار الحجاز واليمن كمكة والطائفة ونجد وجدة وما ولاها من أطراف اليمن لشهود الرجبية وزيارة سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه فما من يوم إلا وتدخل فيه قافلة من مكة ونواحيها ولم يزل الناس يتلاحقون فخرج أهل المدينة إلى أحد من اليوم الخامس والسادس من الشهر ورجعوا في اليوم الثاني عشر ولم يبق بالمدينة إلا القليل وخرج العسكر لحراسة الناس في الطرقات من المدينة إلى أحد كما تقدم شرح ذلك.
وبعد الرجوع من أحد نزل الوافدون بالمدينة ينتظرون الرجبية وهي ليلة سبع وعشرين منه ليلة المعراج وقدم خلق كثير من الأعراب وكانت بالمدينة سوق عظيمة وامتلأ المسجد وجوانبه فما من يوم إلا ويزداد فيه الخلق كثرة فإذا كانت الليلة السابعة والعشرون تكامل حشر الناس فمن لم يدخل إلى المسجد من قريب من العصر قلما يجد موضعا لصلاة المغرب والعشاء فيغص المسجد بمن فيه ويفتح الحرم طول الليل ويبيت الناس في ذكر وقراءة وصلاة كل على حسب ما يسنح له إلى الصباح فإذا أصبح الناس أخذ الأعراب في التوديع فيسمع لهم حنين كحنين الإبل في المسجد وصياح وصراخ رافعين أصواتهم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به فيرق قلب سامعهم ويحن ويشفق لهم على جفائهم وجهلهم فلا يأتي مساء ذلك اليوم حتى لا يبقى بالمدينة منهم إلا القليل وعسى الله أن ينفعهم بحسن نياتهم.