ثم منه إلى الأكره وهو واد كبير تأتيه السيول من بلاد بعيدة ويذكر أن سيل المدينة المشرفة على من تشرفت به أفضل الصلاة والسلام وأزكى التحية والإكرام يصل إليه وماؤه قبيح جدا إلا أن يكون عقب سيل فيحسن وبه احساء كثيرة وأشجار ملتفة ووجدنا جل ماء آباره جيدا لقرب العهد بالسيل وسقى الناس منه وأخذوا من مائه ما ليس لهم عنه بد وسقوا إبلهم وتجاوزه قبل الظهر وباتوا غربي بئر الدركين ثم ارتحلنا منه وبلغنا بئر الدركين مع طلوع الشمس وهو منزل الحاج المصري وسمي بذلك لأنه بين درك أعراب مصر وأعراب الحجاز فإن ما بعده من عمل الحجاز وفي درك أعرابه إلى أن قال.
ولما بلغنا العقبة السوداء وهي عقبة صغيرة في حرة سوداء ذات أزهار وأشجار ويقال إنها أول أرض الحجاز ولا يبعد ذلك فإن من هنالك تخالف الأرض ما قبلها وتباين الجبال ما سواها ويشتد شبهها بجبال الحجاز السود ويتقوى الحر إلى أن قال.
وهذه المرحلة والتي قبلها يشتد فيها الحر وهي أرض سهلة مطمئنة ليس فيها جبال إلا ما يتراءى عن شمال المار بها والبحر يتراءى عن يمينه وفيها غياض من شجر الطلح وهي من أنواع الكلأ الذي ترعاه الإبل كثيرا إلا أنها تترك للرعي فإن المحل مخوف تغير فيه أعراب بلي وجهينة وغيرهما إلى أن قال.
نزلنا الحوراء بعد المغرب وتفرق الناس في مياهها وهي على حفائر على ساحل البحر يحيط بها ديس كثير وفيه ملوحة كثيرة (١) والقريب العهد بالحفر أجود من غيره وكلما طال في القرب خبث والإكثار منه يورث إسهالا مفرطا كماء الاكره والأزلم وعجرود والحاج منها راق على تلال واديها وأكامها وروابيها لكون المحل محل
__________________
(١) كذا في جميع النسخ وفي الرحلتين العياشية والناصرية قليلة.