ومن القصير إلى عيداب إلى بلد الزيلع وهو ساحل بلاد الحبشة ويتصل برا وطول هذا البحر ألف وخمسمائة ميل وعرضه من أربعمائة ميل إلى ما دونها وهو بحر كريه المنظر والرائحة وأما البحر الرومي فقد تقدم أن مخرجه من جهة الغرب وهو يخرج في الأقليم الرابع بين الأندلس والغرب سائرا إلى القسطنطينية وإذا خرج هذا البحر مر شرقا في بلاد البربر وشمال الغرب الأقصى إلى وسط بلاد المغرب على إفريقية وبرقة والإسكندرية وشمال التيه وأرض فلسطين وسواحل بلاد الشام ثم يعطف من هناك إلى العلايا وانطاكية إلى ظهر بلاد القسطنطينية حيث ينتهي إلى البحر المحيط الذي خرج منه وطول هذا البحر خمسة آلاف ميل وقيل ستة آلاف وعرضه من سبعمائة (١) ميل إلى ثلاثمائة وفيه مائة وسبعون جزيرة عامرة.
وذكر بعض أصحاب السير من الفلاسفة أن ما بين الإسكندرية وبين بلادها أي وبين القسطنطينية كان في قديم الزمان أرضا تنبت الجميز وكانت مسكونة وكان أهلها قوما من اليونانية وكان لاسكندر خرق إليها البحر فغلب على تلك الأرض وكان فيها فيما يزعمون الطائر الذي يقال فه فقنّس وهو طائر حسن الصوت وإذا حان موته زاد حسنا في صوته قبل ذلك بسبعة أيام حتى لا يمكن أحدا يسمع صوته لأنه يغلب على قلبه من حسن صوته ما يميت السامع وانه يدركه قبل موته بأيام طرب عظيم وسرور فلا يهدأ من الصياح وزعموا أن بعضا من الفلاسفة أراد أن يسمع صوت فقنس في تلك الحال فخشي أن هجم عليه أن يقتله حسن صوته فسد أذنيه سدا محكما ثم قرب إليه فجعل يفسخ من أذنيه شيئا فشيئا حتى استكمل فسخ الأذنين في ثلاثة أيام يريد أن يتوصل إلى سماعه رتبة بعد رتبة ولا يسمعه في أول مرة فيأتي عليه وزعموا أن ذلك الطائر هلك ولم يبق منه ولا من فراخه شيء هجم عليه
__________________
(١) في الرحلة الناصرية تسعمائة.