البنادر في الطريق لما قدر أحد على سلوكها مع كثرة مخاوفها وقلة مرافقها ولكن الله سلم أنه عليم بذات الصدور ومن هنا يعدل عن طريق الحاج ذات المصانع ذات اليمين للنابعة والمصانع سواري مبنية في سبخة لا يظهر فيها أثر الطريق وكذا في الرمل القريب منها فجعلوا تلك الأعلام المبنية ليستدلوا بها على الطريق وجعلوا في رؤوس الأبنية حجر مستطيلا خارجا لناحية الطريق ليستدل بها الماشي ليلا وربما علقوا على بعض الأعلام مصابيح ليلا لبعد ما بينها وبين كل علم وعلم نحو فرسخ أو أقل أو أكثر في محالها وعلى هذا الطريق يسلك الحاج المصري والمغربي دائما إلا في أوان الحر وخوف العطش فيعدلون إلى النابعة عن طريق المصانع وهي واد كبير ذو رمل به احساء كثيرة تزيد على المائة بل أينما حفرت مقدار قامة أو أقل وجدت ماء حلوا باردا في غاية الحلاوة كأنه ماء النيل ربما يتوهم أنه أحسن منه شرقي مدينة سويس.
وهي مدينة صغيرة ذات أسواق ومساجد ووكالات مستطيلة على شاطئ البحر المالح الذي يأتي من الهند وهناك يقف بين جبال شامخات وبينه وبين البحر الرومي نحو مرحلتين قاله الشيخ أبو سالم في رحلته.
قلت وذكر المقريزي أن ما بينهما هو البرزخ الذي ذكره الله تعالى في كتابه في قوله تعالى : (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) وبهذه المدينة ترسى السفن التي تأتي من جدة ومكة واليمن فيها السلع التي لا تحصى والبضائع التي لا تستقصى ومن هناك تحمل إلى مصر في البر.
قلت وهي بموضع مدينة القلزم التي ينسب إليها هذا البحر وبالقرب منها غرق فرعون قال المقريزي في خططه وقد عرف بهذا البحر وذكر في تفاصيله وان مبدأه من البحر الكبير المحيط بالأرض المسمى ببحر الظلمات لتكاثف البخار