ينته به السير إلا بالطواف على قدم المحو والمحق للمعدومات الوهمية الوجود ، في سنن العهود ، فمن طاف بحضرة الدنو وبالدرة البيضاء فقد طاف القدوم على قضاء شهوده ، وارتوى برؤية وجوده ، وهي نزهة القدس من شوائب المحدثات ثم صلى ركعتين الطواف في مقام التخلي والتحلي والتجلي (١) ثم شرب من ماء القرب وهو ماء زمزم المتعلق بجمال الذات إذ هو طعام الإيمان ، وشراب العرفان ، فلم يحتج صاحبه إلى طعام الأجباح دائما سرمديا فلما روي وتضلع من ماء زمزم التجلي طاف طواف الوداع لأهل الدنيا بل ودع الكونين ، وصلى على الثقلين ، بأن لا ينظر إليهما ، إلا بنظر الحق إليهما ، وكذا إلى نفسه أخذه محبوبه ومطلوبه منه أي من بشريته إلى روحانيته فإنه إياها صرفا ومحضا ثم رده إلى بيته وهو قفص البشريات ليوافق ويمتثل رب البيت فلم تضره البشريات وإنما هي معنية ومؤيدة للروحانيات ولقد زين سماءها بمصابيح البشريات لأن أنوار الشريعة زينة سماء الحقيقة وجعل نجومها وهي امتثال الأوامر واجتناب النواهي رجوما للشياطين القواطع فأهلكتها وأذابتها فقلب هذا عرش من عروش الحق وقالبه سفينة نوح فما ركب أحد بحره إلا سلم من طوفان الجهل إذ قلبه يجري بموج الواردات كالجبال غير أنهم لا يعتبرون عظمتها وغالبتها اعتمادا على رب السفينة ونادى نوح يا ولد القلب أركب معنا في سفر القلب من الخلق إلى الحق ولا تكن من الجاحدين لهذه الطائفة والمعترضين عليها قال سآوي إلى جبل الأسباب يعصمني من ربها قال لا عاصم اليوم إلا بالاعتماد عليه وحال بينهم الموج من الهلاك فكان من المغرقين في الدعاوي.
هذا وإن من حج بهذا الوصف فقد كان حجه مبرورا بالوصول إليه ، والمنتهى لديه ، فحينئذ من سبقت له العناية لا تضره إن مس بعض الذنوب لزوالها
__________________
(١) من قوله وهي نزهة إلى هنا ساقط في نسخة.