وفي سنة ٥٩٤ (أو في سنة ٥٩٥) دخل صنعاء حيث دان له أهلها بالطاعة ، ثم بسط في نفس السنة نفوذه على ذمار وما جاورها ، ولكنه اضطر إلى التنازل عن فتوحه وإلى التقهقر نحو الشمال (١). ومع ذلك فقد أخذت قوته وشهرته في الزيادة. ولم يقتصر امتداد نفوذه على بلوغ بلاد الحجاز ، ولكن سلطته كإمام اعترف بها الزيديون في فارس. وفي سنة ٦٠٠ ه. رمم حصن ظفار ، وزاده مناعة. وفي سنة ٨١١ استعاد سلطانه على صنعاء وذمار ، واشتغل بإخضاع المطرفية الذين عاملهم بقسوة زائدة كما جاء في كتابات مؤرخيه (٢). وقد حث الخليفة العباسي (٣) على مقاتلة هذا الإمام ، فأرسلت قوة كبيرة في سنة ٦١٢ ه. لقتال المنصور ، وكان على رأسها المسعود (٤) آخر سلاطين اليمن الأيوبيين فتقهقر إلى البلاد المجاورة لكوكبان ، وتحصن هنالك في موضع منيع حيث شيد لنفسه بيتا وخططا لأتباعه ، كما أنشأ دارا للضرب والسكة ، واحتل هذا الموضع لمدة ثلاثة أشهر ونصف ، حدثت في خلالها اشتباكات كثيرة بين جنده وأعدائه. وفي سنة ٦١٣ ه. عقدت هدنة وانتقل الإمام إلى كوكبان ثم إلى ظفار ، وفي هذا الوقت كانت صحته قد ساءت ثم توفي في الموضع الأول (كوكبان) في المحرم سنة ٦١٤ ه.
وبعد وفاة المنصور حدث شقاق في صفوف الزيديين ، فأهل صعدة وما جاورها أقروا إمامة الشريف مجد الدين (نجم الدين) يحيى بن المحسن
__________________
(١) ذكر ابن الأثير في تاريخه ١٢ / ١١٣ أن هزيمة المنصور عبد الله على يد السلطان الأيوبي المعز إسماعيل كانت سنة ٥٩٧ وليست سنة ٥٩٢ ، كما جاء في ابن خلدون.
(٢) كثيرا ما ترد كلمة المطرفيه في كتب المؤرخين الزيدية ، ولم أعثر على تفسير لها في موضع آخر ، ولكن يبدو أنها تسمية ، يسمى بها المسلمون من أهل السنة ، وتقترن عادة بلقب الشقية (أي الواغلة في الشرور والآثام).
(٣) قارن كاشفة الغمة ورقة : ٢٢ ؛ بالحدائق ورقة : ٢٠٦ ؛ وكان الخليفة العباسي في ذلك الوقت هو أبو العباس أحمد الناصر لدين الله بن المستضيء (٥٧٥ ـ ٦٢٢ ه.)
(٤) حكم الأيوبيون اليمن من سنة (٥٦٩ ـ ٦٢٥ ه.) والملك المسعود هو صلاح الدين يوسف بن الكامل حكم ما بين (٦١٢ ـ ٦٢٦ ه.). راجع زامباور / المترجم : ١ / ١٥٢.