التقى وما أظهره من الكرامات ، وبفضل عبادته للإله الحق فإن أهل نجران الذين كانوا إلى ذلك الوقت غارقين في الوثنية ، تأثروا به واعتنقوا ديانته (١). ولم يذكر العصر الذي حدث فيه هذا ، ولكنه لم يكن قبل مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بعصر طويل حيث صار مسيحيو نجران ضحايا بسبب عداوة ذي نواس آخر ملوك التبابعة من بني حمير باليمن فقد حاول إرغامهم على التهود وقد كان هو نفسه يهوديا ، وكانت قسوته الوحشية التي اصطنعها لتحقيق غرضه قد استنكرها القرآن في سورة (٨٥) (٢) وقضى على ذي نواس بعذاب السعير. وكان اضطهاد مسيحي نجران من أسباب فتح الأحباش لليمن (٣) الذين طردوا بدورهم منها على أيدي الفرس (٤).
والروايات العربية عن براعة أهل نجران في فنون الغيبيات يمكن الاستعانة بها لكي توضح أن نصارى هذا الإقليم قد قطعوا شوطا كبيرا في الحضارة قبل ظهور الإسلام بوقت كبير. ويلاحظ أن رواية ابن خلدون تقول بأن سكان هذا الإقليم كانوا قد تهودوا في زمن مبكر ، ويذكر الطبري بأن باروخ حين أدى رسالته لبختنصر كان قد أتى من نجران.
حاشية [١٢٥] : أبو عمر يوسف بن البر محدث مشهور أصله من قرطبة توفي سنة ٤٦٣ ه. ترجم له ابن خلكان (٥).
__________________
(١) الطبري : ١ / ٩٢٠ وما بعدها. جاء فيه أن أهل نجران كانوا يعبدون نخلة ، وكانوا في بعض أيام أعيادهم يزينونها بالقماش الملون وبحلي نسائهم ، وفي عصر متأخر عند ما بعث النبي عليه السلام ، كان أهل مذحج في نجران يعبدون صنما اسمه يغوث (انظر كتاب الأنساب والزواج في بلاد العرب القديمة بقلم روبرتسون سمث ص ١٩٢ ؛ ياقوت : ٨ / ٢٦٠ ؛ الكامل : ١٠ / ١٧١ ـ ١٧٣.
(٢) سورة البروج.
(٣) سنة ٥٢٥ م. (الكامل : ١ / ١٧٣ ـ ١٧٤).
(٤) سنة ٥٧٥ م ..
(٥) هو يوسف بن عبد البر بن محمد بن عبد البر بن عاصم ، النمري ، القرطبي ، إمام عصره في الحديث والأثر وما يتعلق بهما ، ألف في الموطأ كتبا مفيدة منها كتاب (التمهيد ، لما في الموطأ من المعاني والأسانيد) وهو سبعون جزءا. ثم ألف كتاب : «الاستدراك ، لمذاهب الأمصار ، فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار» ؛ وله أيضا كتاب : «الاستيعاب» جمع فيه أسماء الصحابة رضي الله عنهم. وله كتاب : «جامع بيان العلم