فلما وقف مفلح على البيتين عثر بهما وتنبه على فضل أبي المعالي ، واستدعى الغلام فرده إليه خامس خمسة من جنسه. ثم استدعى أبا المعالي وأمره أن يمدح الوزير بقصيدة ففعل ذلك ، ثم أحضره إليه حتى أنشده ودفع له خمس مئة دينار ، ووصله أيضا منصور بن مفلح من عنده بثلاث مئة دينار ثوابا على قصيدة أخرى مدحه بها ، وحمله إلى مكة حرسها الله تعالى.
وأما أحوال مفلح مع العسكر ، فإن قصر الملك فاتك بن منصور نشأت به رجال من عبيد الحرة الملكة ، أم فاتك بن منصور وهم : صواب وريحان ويمن وعز (١) وريحان الأكبر. هؤلاء أزمة أعيان أكابر. ومن الفحول إقبال ، ومسرور ، وبارة (٢) ، وسرور ، وهو أمير الفريقين مكانة وغنى.
وكان هؤلاء الجماعة هم الذين يتكلمون على لسان السلطان. وصار الوزير في أمور السلطان أجنبيا معهم ، وعظم بهم جانب الحرة. واستمالوا كثيرا من الفارس والراجل. ثم دبروا حيلة يخرجون بها مفلحا من زبيد. فقال لهم سرور : ما عندكم حيلة أحسن من مخاطبته على حج مولاتنا الملكة وتجهيزها بثلاثين ألف دينار. فلما أرسلوا إليه في ذلك امتنع وقال : صرف المال (٣) إلى أعداء الدولة أولى من هذه الخرافات ، ولمولاتنا بالمغزل ، ولزومها كسر بيتها شغل شاغل [عن الحج](٤). ولم يزالوا يراجعون في ذلك إلى أن قال : مولاتنا إلى غير هذا محاجة ، فانظروا لها فيه فإنه يسليها. قالوا : وما هو؟ قال شيء في طول هذا. وقبض كفه ومد ذراعه. فحدث في النفوس من هذه الكلمة شر لم يستدركه مفلح إلا بالإذن لها في الحج وتجهيزها (٥) بثلاثين ألف دينار ، وتسيير ولده منصور معها إلى مكة.
ثم كان من تدبير سرور على خروج مفلح ، تسييره إلى عدن لمحاربة
__________________
(١) في خ ؛ وفي قرة : عنبر.
(٢) في الأصل : سارة غير معجمة وكذا في خ مع اختلاف في الأسماء ؛ ورواية خ : إقبال وبرهان وسرور وسارة.
(٣) في خ : صرف المال في محاربة أعداء الدولة.
(٤) زيادة من خ.
(٥) في الأصل : وتجهزها.