ولقد أذكر يوما أن رجلا من همدان ، دخل على الداعي سبأ ، وهو مخيم في الخيمة فقال : أجللني (١) يا أبا حمير ، فلم يبق عندهما غيري ، فقال : إنك تعلم أن الحرب نار ، حطبها الرجال والخيل ، وأنا أريد منك أن تدفع لي ديتي ، وهي ألف دينار. ففعل الداعي ذلك. ثم قال : ودية ولدي فلان ، وأخيه ، فأخذ عنهما ألفي دينار. ثم قال : دفع الله عنك يا أبا حمير ، وبقي على الخيل إن عقرت. فقال له الداعي : حتى تعقر الخيل. قال الهمداني : قدم لنا ثمنها ، كما قدمت لنا الدية. فدفع له الداعي كيسا فيه خمس مئة دينار. فلما قبض المال قال : وبقيت خصلة ما أظن كرمك يا أبا حمير يردني فيها. قال : وما هي؟ قال : إني عزمت على أن أتزوج فلانة بنت فلان ، وأنت تعرف شرف قومها ، وليس لي من المال ما يليق أن أقابلهم به ، فدفع له الداعي مئة دينار. ثم قال : أنعمت وتفضلت. ولم يبق شيء إلا أنه قبيح بمثلي أن أتزوج وولدي بلا زواج ، فدفع له مائتي دينار ، لكل واحد [منهما](٢) مئة.
ثم قام الهمداني ، فلما بلغ باب الخيمة ، رجع فقال الداعي سبأ : والله لا سألتك حاجة بعد الحاجة التي رجعت لها وهي أن لي بنتا لا زوج لها ، وقبيح بنا أن (٣) أتزوج أنا وإخوتها ، وتبقى أرملة. قال له : فماذا يكون؟ قال : تدفع لي مالا أزوجها. فدفع مئة دينار أخرى. ثم تمثل الداعي بقول الراجز : استنتفت (٤) لحية زيد فانتتفت.
وحدثني الداعي محمد بن سبأ ، وبلال بن جرير المحمدي قالا : أنفق الداعي سبأ بن أبي السعود ، علي بن أبي الغارات ثلاثة مئة ألف دينار ثم أفلس. واقترض من تجار عدن الذين ينالونه مثل الشريف الحسين علي بن محمد بن أبي العمري. من ولد عمر بن الخطاب ، والشيخ أبي الحسن
__________________
(١) في الأصل : أجلني والمعنى : أكرمني.
(٢) زيادة من خ.
(٣) في الأصل : أن أنا وأخوتها.
(٤) في الأصل : استنمت لحية زيد فانتف والتصحيح من (كاي).