فى زمن غير منضبط وأمر الدين مملوء بالخلل ، والملك غير مستقيم ، والجميع أعداء وأشرار ، ولا وجود للأخيار قط ، وقد اخترنا الثقاة والأمناء والصلحاء أيضا ، كما إننا لم نصدر حكما دون تجربة وتمحيص ، ومن الممكن أن يأتى من بعدنا قوم أفضل ولا يجب أن يعطى للأشرار مجالا بأن يبلغوا إلى مسامع الملوك خبرا عن طريق التجسس فلو إنهم ـ والعياذ بالله ـ سمحوا بهذا فلن تكون الرعية ولا المرؤوسون فى أمن وراحة ولن يكون للملوك أنفسهم تمتع أو ثقة بطاعتهم وخدمتهم ، وحينما يصل أمر الملك إلى هذا الحد ، فليؤذن بالثورة عاجلا حيث يعرف الملك بعجز الرأى وضعف القوة ، فلا يتصور ذلك الأمير أن هذا السلطان قد أصدر الأمر مركزا إذا كان غير حجة ، ولقد أشرت إلى أنه أخذ أموال الأغنياء والتجار ، فإن كانوا قد اتخذوا لأنفسهم اسم الغنى ولم يكونوا أغنياء حقا فقد اقترفوا باطلا ، فعن برهان الغنى هو من لا يأخذ شيئا بكره وفوق ما يطاق ، بل يأخذه طوعا وعن رغبة وعليهم أن يؤدوا الخدمة والولاء بصورة ظاهرة ، فإن أرادوا أن لا يطلق عليهم اسم الغنى وأن يطلق عليهم اسم اللئام الآثمين ، فإنهم يأخذون الأموال بالرياء واللؤم والدناءة لا عن طريق شرعى ، وهذا المعنى هو الذى جعل مليك الزمان يستعين بفضول أهل الفضل دون عامة الخلق ، وهذا أصل فى الدين كما إنه وجه مقبول فى الرأى.
أما السؤال الآخر : عن المانع لدى السلطان بحيث لا يعين ولى عهد من بعده ولا يحدد اسمه ، فليعلم الجواب بأنه فكر فى هذا الأمر من مفسدة ذلك المسمى ، والذى سوف يحل بعده فلو إنه حدده وعين اسمه فسوف يفكر ذلك الشخص فى جميع أهل العالم ، فإن أبدى شخص ما فتورا فى التقرب إليه ، فسوف يحقد ولى العهد عليه ، كما إن ولى العهد سوف يرى نفسه أيضا ملكا ويقول السلطان إن هذا الشخص ينتظر موتى ويترقبه ، وعلى ذلك فسوف تفتر المودة والحب والشفقة فى قلبه ، ولما كان هذا الأمر لا يتضمن صلاح الحال للمليك ولا للرعية فإن ستره أولى ، كما إنه من المحتمل لو أظهر هذا الأمر وأعلن ألا يتجرد العداء من الكيد والحيلة فيلحق به المرض من الشياطين وأعين الحاسدين من الجن والإنس والعز والأذى ، واعلم يقينا أيضا أن كل ما تتعلق به أعين الخلائق فإنه يتعرض للهلاك للضرورة وإعجابه بنفسه ولعدم مروءته ، فكل من يعجب بنفسه يصبح عاصيا فيما فيه الصلاح ، وكل من صار عاصيا