أما بعد : فقد بلغ أمير المؤمنين ما نعتم وفهم ما نطقتم وفقه ما نسقتم من أمثالكم الموشحة بأشعاركم واستيقن أنكم تمسكتم ببيعة (نرسنا) للإسلام ورغبة فى دار الإسلام وفردتم من حندس العمى إلى ضياء الهدى ونشرتم طباعة الخليفة وطويتم عصيانه طى الصحيفة فبغى عليكم الأشر الطاغى البطر الباغى فى زاوية الذين رفضوا الدين ومنهاجه وأخمدوا نوره وسراجه وخلعوا ملابس الإيمان ولبسوا مساوئ الطغيان ، فهم من حصون المحنة خرجوا وفى شجون الفتنة ولجواه وإلى الخروج والضلالة عرجوا فعموا فى حنادسها وارتقوا قلل الجهالة وعلوا غرب الضلالة ، وأوقدوا نار الفتنة وأخمدوا ضياء الحسنة فم إذا بعد الحق إلا الضلال وإلى الموازين يرجع الوبال. فعز على أمير المؤمنين أن صرتم أهداف المنايا وأغراض البلايا وذلك أعظم الرزايا وما ينتظر الفرح إلا عند نزول الترح وإن مع العسر يسرا ، فأحدثوا على الإسلام شكرا وذكرتم لأمير المؤمنين أنكم صرتم للمنايا أغراضا وللبلايا أعراضا فكم من غرض بقى بعد نفاد سهام ووتر انقطع على قوس رام ، وعارض انقشع بعد رهام وذكرتم أنكم صرتم إسراء النقمة وسلباء النعمة فرب أسير كان على الأسر وبالا ومسلوب رزق أضعاف ما سلب مالا وكم بلية خيفت أن تدوم دهرا فما دامت شهرا ، وذكرتم أن الطاعة أبلتكم وأن الجماعة خذلتكم فمن ابتلى بسبب طاعته دارته العافية من ساعته ، وذكرتم أنكم صرتم رهناء بأيدى الأسر وطحناء لرحى الكفر فلعل الله أن يديرها على الباغى بانقضاء أجله وعاقبة سوء عمله ، فيجعل بناءها منقرض عيشه وفناءها تدمير جيشه وماءها زوال ملكه وطحنها إقبال هلكه وقطبها انقلاب دولته فالرحى يدوم تنقلها فيوما يطحن حنطة غنى رائس ويوما يطحن ذرة فقير بائس ، وكم من ساق شرب وألحقه السكر بدمائه فالدهر ينقل من حال إلى حال والزمان يختلف بآجال وأعمال ، ذكرتم لأمير المؤمنين فقد مختصب مراتعه وسير حلكم من محلة الشكوى ومظنة البلوى إلى مواطن الرضى ومساكن الهدى بإذن الله ومشيئته والشكوى نوعان نوع يقدر على تغييره عاجلا ونوع يحتاج إلى تدبيره آجلا ، وذكرتم لأمير المؤمنين أنكم بالإسلام مذكورون وبسبب الطاعة مجتمعون ، فقد اكتسبتم بذلك عند الله صدق العذر وعند أمير المؤمنين طول الشكر وذكرتم إنه بعد نعمانكم الأدبار ودرس من لذاتكم الآثار فربما كان أول