تيطس وآثر بهم كلام يوسيفوس وعملوا على قبول كلامه فمنع الخوارج ذلك وشددوا التحفظ على الأبواب وأمروا البوابين أن يقتلوا كل من أراد الخروج من اليهود إلى الرومان فأشتد الحصار وقل الطعام وأشتد عليهم الجوع وكان الخوارج يأمرون أصحابهم بتفتيش منازل الناس وأخذ ما يجدون عندهم من الطعام وقتل من يمانعهم فكان يحتال كثيرون من اليهود بالخروج إلى ظاهر المدينة ليتناولوا شيئا من نبات الأرض ليقتاتوا به ، وكان الرومان يقتلون من يجدونه ويصلبونه فلما رأى الخوارج ذلك أقبلوا هم أيضا يقتلون كل من ظفروا به من اليهود الذين أرادوا أن يستأمنوا للرومان ويصلبوه على سور المدينة لينتظرهم الرومان فقتل بذلك خلق كثير فرقّ قلب تيطس لهم ونهى أصحابه عن صلب من يقبضون عليه وخاطب تيطس اليهود بالحسنى وكان يحسن إليهم وكان الخوارج يزيدون بذلك قساوة ويشتمونه ويخاطبونه بالقبيح وكان قصدهم بذلك أغاظته لينقطع عن مخاطبة أهل المدينة خوفا من أن يميلوا إليه.
فلما رأى تيطس أن كلامه وترفقه لم يأتيا بنتيجة عمل على هدم السور الثالث وفتح المدينة ليخلص أهلها من أولئك الخوارج القساة فقسم عسكره أربعة أقسام وجعلهم فى جهات المدينة الأربع ونصب كباشا ليضرب بها السور فخرج إليهم الخوارج وأصحابهم كالذئاب وقاتلوهم قتالا شديدا حتى جرت الدماء كالسيل وكانت جثث القتلى كالتراب فحرق اليهود الكباش مع جميع آلاتها وقتل جمع كثير من الفريقين فنظر الرومان فى ذلك الوقت من اليهود ما هالهم وولوا مدبرين فردهم تيطس وشجعهم وقال لهم إلى أين أنتم منهزمون