رأسه صفحة حديد ، تتخذ مشعلا في شهر رمضان المعظم. وفي الصفح الناظر إلى البيت العتيق من القبة سلاسل فيها قناديل من زجاج معلقة توقد كل ليلة. وفي الصفح الذي عن يمينه كذلك ، وهو الناظر إلى الشمال. وفي كل جانب منها ثلاثة شراجيب مقومة كأنها أبواب ، قد قامت على سوار من الزجاج صغار ، لم ير أبدع منها صنعة ؛ منها ما هو مفتول فتل السوار ، ولا سيما الجانب الذي يقابل الحجر الأسود من قبة زمزم ، فإن سواريه في نهاية من إتقان الصنعة ، قد أدير بكل سارية منها رؤوس ثلاثة أو أربعة ، وتحت ما بين كل رأس ورأس ... وأحدثت فيه صنائع من النقش عجيبة المنظر ، وربما فتل بعضها عن الصفة السوارية.
وهذا الجانب الذي يقابل الحجر الأسود من القبة المذكورة ، تتصل به مصطبة من الرخام دائرة بالقبة ، يجلس الناس فيها معتبرين بشرف ذلك الموضع ، لأنه أشرف مواضع الدنيا المذكورة بشرف مواضع الآخرة : لأن الحجر الأسود أمامك ، والباب الكريم مع البيت قبالتك ، والمقام عن يمينك ، وباب الصفا عن يسارك ، وبئر زمزم وراء ظهرك. وناهيك بهذا!
وينطبق على كل شرجب من تلك الشراجيب أعمدة حديد ، قد تركب بعضها على بعض كأنها شراجيب أخر. وأحد أركان شباك الخشب المحدق بالقبة العباسية ، يتصل بأحد أركان شباك القبة اليهودية حتى يتماسا. فمن يكون في أعلى سطح هذه ، ينفتل إلى سطح الأخرى من الركنين المذكورين. وداخل هذه القباب صنعة من القرنصة الجصية رائقة الحسن.
وللحرم أربعة أئمة سنية وإمام خامس لفرقة تسمى الزيدية. وأشرف أهل هذه البلدة على مذهبهم ، وهم يزيدون في الأذان : حي على خير العمل إثر قول المؤذن حي على الفلاح. وهم روافض سبابون ، والله من وراء حسابهم وجزائهم. ولا يجمعون مع الناس ، إنما يصلون ظهرا أربعا ، ويصلون المغرب بعد فراغ الأئمة من صلاتها.
فأول الأئمة السنية الشافعي ، رحمه الله ، وإنما قدمنا ذكره لأنه المقدم من الإمام العباسي. وهو أول من يصلي ، وصلاته خلف مقام إبراهيم ، صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا الكريم ، إلا صلاة المغرب فإن أربعة الأئمة يصلونها في وقت واحد ، مجتمعين