قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تذكرة بالإخبار عن اتّفاقات الأسفار

تذكرة بالإخبار عن اتّفاقات الأسفار

تذكرة بالإخبار عن اتّفاقات الأسفار

تحمیل

تذكرة بالإخبار عن اتّفاقات الأسفار

271/303
*

الأربعاء السادس لشهر مارس ونحن بهذه المدينة المذكورة طامعين في قرب السفر مستبشرين بطيب الهواء ، والله ييسر مرامنا ويتكفل بسلامتنا بعزّته. واتفق أن أبصرنا الهلال ليلة الأربعاء كبيرا ، فعلم أنه من ليلة الثلاثاء ، فانتقل حساب الشهر إليها.

وفي ظهر يوم الأربعاء التاسع من الشهر المذكور ، والثالث عشر من مارس ، وهو يوم عرفة ، عرفنا الله بركته وبركة الموقف الكريم فيه بعرفات ، كان صعودنا إلى المراكب ، يمنه الله ورزقنا السلامة فيه ، مبيتين للسفر ، قرب الله علينا مسافته. فأصبحنا على ظهر المركب صبيحة يوم عيد الأضحى ، نفعنا الله بمقاساة الوحشة فيه ، ونحن نيف على الخمسين رجلا من المسلمين ، عصم الجميع ونظم شملهم بأوطانهم بمنه وكرمه ، إنه سبحانه كفيل بذلك. ورمنا الإقلاع فلم توافق الريح ، فلم نزل نتردد من المركب إلى البر ، ونبيت للسفر كل ليلة اثني عشر يوما ، إلى أن أذن الله بالإقلاع صبيحة يوم الاثنين الحادي والعشرين لذي الحجة المذكور ، والخامس والعشرين لمارس ، فأقلعنا على بركة الله تعالى في ثلاثة مراكب من الروم قد توافقت على الاصطحاب في الجري وأن يمسك المتقدم منها على المتأخر ، فوصلنا إلى جزيرة الراهب ، وقد تقدم ذكرها في هذا التقييد ، وبينها وبين أطرابنش نحو ثمانية عشر ميلا ، فتغيرت الريح علينا ، فملنا إلى مرساها.

فكان من الاتفاق العجيب أن ألفينا فيها مركب مركون الجنوي المقلع من الإسكندرية بنحو مئتي رجل ونيف من أصحابنا الحجاج المغاربة الذين كنا فارقناهم بمكة ، قدسها الله ، في ذي الحجة من سنة تسع ، ولم نسمع لهم خبرا منذ فارقناهم ولا سمعوا لنا. وكان فيهم جماعة من أصحابنا من أهل أغرناطة ، منهم الفقيه أبو جعفر بن سعد صاحبنا ونزيلنا بمكة مدة مقامنا فيها. فلحين ما علموا بنا تطلعوا إلينا من المركب متعلقين بحافاته وجوانبه ، رافعين أصواتهم ببشرى السلامة واللقاء ، مسرورين بالاجتماع ، باكين من الفرح ، دهشين ذاهلين لوقوع المسرة من نفوسهم ، ونحن لهم على مثل تلك الحال. فكان يوما ، مشهودا اتخذناه عقب العيد عيدا جديدا. ونزل الأصحاب بعضهم إلى بعض ، وباتوا وبتنا بأسر ليلة وأنعمها ، وجعلنا هذا الاجتماع عنوانا كريما لما نؤمله من انتظام الشمل بالأوطان ، إن شاء الله عزّ وجل.