فالموفق فيهم لا
يزال في مجلس ذكر أيامه كلها ، لهم في ذلك طريقة مباركة ملتزمة.
مجالس العلماء
فأول من شاهدنا
مجلسه منهم الشيخ الإمام رضي الدين القزويني رئيس الشافعية ، وفقيه المدرسة
النظامية ، والمشار إليه بالتقديم في العلوم الأصولية. حضرنا مجلسه بالمدرسة
المذكورة إثر صلاة العصر من يوم الجمعة الخامس لصفر المذكور ، فصعد المنبر ، وأخذ
القرّاء أمامه في القراءة على كراسي موضوعة ، فتوّقوا وشوّقوا ، وأتوا بتلاحين
معجبة ، ونغمات محرجة مطربة. ثم اندفع الشيخ الإمام المذكور فخطب خطبة سكون ووقار
وتصرف في أفانين من العلوم ، من تفسير كتاب الله عز وجل ، وإيراد حديث رسوله ، صلى
الله عليه وسلم ، والتكلم على معانيه. ثم رشقته شآبيب المسائل من كل جانب ، فأجاب
، وما قصر ، وتقدم وما تأخر ، ودفعت إليه عدة رقاع منها ، فجمعها جملة في يده ،
وجعل يجاوب على كل واحدة منها ، وينبذ بها إلى أن فرغ منها. وحان المساء فنزل
وافترق الجمع. فكان مجلسه مجلس علم ووعظ ، وقورا هينا لينا ، ظهرت فيه البركة
والسكينة ولم تقصر عن إرسال عبرتها فيه النفس المستكينة ، ولا سيما آخر مجلسه ،
فإنه سرت حميا وعظه إلى النفوس حتى أطارتها خشوعا ، وفجرتها دموعا. وبادر التائبون
إليه سقوطا على يده ووقوعا ، فكم ناصية جز ، وكم مفصل من مفاصل التائبين طبق
بالموعظة وحز. فبمثل مقام هذا الشيخ المبارك ترحم العصاة ، وتتغمد الجناة ،
وتستدام العصمة والنجاة ، والله يجازي كل ذي مقام عن مقامه ، ويتغمد ببركة العلماء
الأولياء عباده العاصين من سخطه وانتقامه برحمته وكرمه ، إنه المنعم الكريم ، لا
رب سواه ، ولا معبود إلا إياه.
وشهدنا له فيها
مجلسا ثانيا إثر صلاة العصر من يوم الجمعة الثاني عشر من الشهر المذكور. وحضر ذلك
اليوم مجلسه سيد العلماء الخراسانية ، ورئيس الأئمة الشافعية ، ودخل المدرسة
النظامية بهزّ عظيم وتطريف آماق ، تشوقت له النفوس. فأخذ الإمام المتقدم الذكر في
وعظه مسرورا بحضوره ، ومتجملا به ، فأتى بأفانين من العلوم ، على حسب مجلسه
المتقدم الذكر. ورئيس العلماء المذكور هو صدر الدين الخجندي المتقدم الذكر في هذا
التقييد ، المشتهر المآثر والمكارم ، المقدم بين الأكابر والأعاظم.