تلك القناطير دفعة لما فرغوا من عبورها ولتراكموا وقوعا بعض على بعض.
والأمير طشتكين المتقدم الذكر يقيم بالحلة ثلاثة أيام إلى أن يتقدم جميع الحاج ، ثم يتوجه إلى حضرة خليفته. وهذه الحلة المذكورة طاعة بيده للخليفة. وسيرة هذا الأمير بالرفق بالحاج والاحتياط عليهم والاحتراس لمقدمتهم وساقتهم وضم نشر ميمنتهم وميسرتهم سيرة محمودة ، وطريقته في الحزم وحسن النظر طريقة سديدة ، وهو من التواضع ولين الجانب وقرب المكان على وتيرة سعيدة ، نفعه الله ونفع المسلمين به.
وفي عصر يوم الاثنين المذكور نزلنا بقرية تعرف بالقنطرة كثيرة الخصب ، كبيرة الساحة ، متدفقة جداول الماء ، وارفة الظلال بشجرات الفواكه ، من أحسن القرى وأجملها ، وبها قنطرة على فرع من فروع الفرات كبيرة محدودبة ، يصعد إليها وينحدر عنها ، فتعرف القرية بها ، وتعرف أيضا بحصن بشير. وألفينا حصاد الشعير بهذه الجهات في هذا الوقت الذي هو نصف مايه. ورحلنا من القرية المذكورة سحر يوم الثلاثاء الثاني لصفر ، فنزلنا قائلين ضحوته بقرية تعرف بالفراش ، كثيرة العمارة ، يشقها الماء ، وحولها بسيط أخضر جميل المنظر. وقرى هذه القرية المذكورة خان كبير يحدق به جدار عال له شرفات صغار. ثم رحلنا منها ونزلنا عشي النهار بقرية تعرف بزريران ، وهذه القرية من أحسن قرى الأرض ، وأجملها منظرا ، وأفسحها ساحة ، وأوسعها اختطاطا ، وأكثرها بساتين ورياحين وحدائق نخيل. وكان بها سوق تقصر عنه أسواق المدن. وحسبك من شرف موضعها أن دجلة تسقي شرقيها ، والفرات يسقي غربيها ، وهي كالعروس بينهما ، والبسائط والقرى والمزارع متصلة بين هذين النهرين الشريفين المباركين.
ومن شرف هذه القرية أيضا أن بإزائها ، لجهة الشرق منها ، إيوان كسرى وأمامها بيسير مدائنه. وهذا الإيوان بناء عال في الهواء ، شديد البياض ، لم يبق من قصوره إلا البعض ، فعايناها على مقدار الميل سامية مشرفة مشرقة ، وأما المدائن فخراب ، اجتزنا عليها سحر يوم الأربعاء الثالث لصفر فعاينا من طولها واتساعها مرأى عجيبا. ومن فضائل هذه القرية أيضا أن بالشرق منها بمقدار نصف فرسخ مشهد سلمان الفارسي ، رضي الله عنه. فما اختصت تربتها بهذا الدفين المبارك ، رضي الله عنه ، إلا لفضل تربتها.
والقرية على شط دجلة ، وهي تعترض بينها وبين المشهد الكريم المذكور ، وكنا