ماؤها عذبا بعد ما كان أجاجا وفيه وقع خاتمه من يد عثمان ، رضي الله عنه ، والحديث مشهور. وفي آخر القرية تل مشرف يعرف بعرفات ، يدخل إليه على دار الصفة حيث كان عمار وسلمان وأصحابهما المعروفون بأهل الصفة. وسمي ذلك التل عرفات لأنه كان موقف النبي ، صلى الله عليه وسلم ، يوم عرفة. ومنه زويت له الأرض ، فأبصر الناس في عرفات. وآثار هذه القرية المكرمة ومشاهدها كثيرة لا تحصى.
وللمدينة المكرّمة أربعة أبواب ، وهي تحت سورين ، في كل سور باب يقابله آخر ، الواحد منها كله حديد ، ويعرف باسمه باب الحديد ؛ ويليه باب الشريعة ثم باب القبلة ، وهو مغلق ؛ ثم باب البقيع ، وقد تقدم ذكره. وقبل وصولك سور المدينة من جهة الغرب بمقدار غلوة ، تلقى الخندق الشهير ذكره الذي صنع النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عند تحزب الأحزاب. وبينه وبين المدينة ، عن يمين الطريق ، العين المنسوبة للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، وعليها حلق عظيم مستطيل. ومنبع العين وسط ذلك الحلق كأنه الحوض المستطيل. وتحته سقايتان مستطيلتان باستطالة الحلق. وقد ضرب بين كل سقاية وبين الحوض المذكور بجدار ، فحصل الحوض محدقا بجدارين. وهو يمد السقايتين المذكورتين ، ويهبط إليهما على أدراج عددها نحو الخمسة والعشرين درجا. وماء هذه العين المباركة يعم أهل الأرض فضلا عن أهل المدينة ، فهي لتطهر الناس واستقائهم وغسل أثوابهم. والحوض المذكور لا يتناول فيه غير الاستقاء خاصة صونا له ومحافظة عليه. وبمقربة منه ، مما يلي المدينة ، قبة حجر الزيت ، يقال : إن الزيت رشح للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، من ذلك الحجر. ولجهة الجوف منه بئر بضاعة ، وبإزائها لجهة اليسار جبل الشيطان حيث صرخ ، لعنه الله ، يوم أحد ، حين قال : قتل نبيّكم.
وعلى شفير الخندق المذكور حصن يعرف بحصن العزّاب ، وهو خرب ، قيل : إن عمر ، رضي الله عنه ، بناه لعزاب المدينة. وأمامه ، لجهة الغرب على البعد ، بئر رومة التي اشترى نصفها عثمان ، رضي الله عنه ، بعشرين ألفا. وفي طريق أحد مسجد عليّ ، رضي الله عنه ، ومسجد سلمان ، رضي الله عنه ، ومسجد الفتح الذي أنزلت فيه على النبي ، صلى الله عليه وسلم ، سورة الفتح.
وللمدينة المكرمة سقاية ثالثة داخل باب الحديد يهبط إليها على أدراج وماؤها