ولنعمة الله علينا شاكرين. ولم يبق لنا أمل من آمال وجهتنا المباركة ، ولا وطر إلا وقد قضيناه ، ولا غرض من أغراضنا المأمولة إلا وبلغناه. وتفرغت الخواطر للإياب للوطن ، نظم الله الشمل ، وتمم علينا الفضل ، والحمد لله على ما أولاه وأسداه ، وأعاده من جميل صنعه وأبداه ، فهو أهل الحمد والشكر ومستحقه ، لا إله سواه.
ذكر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وذكر روضته المقدسة المطهرة
المسجد المبارك مستطيل ، وتحفه من جهاته الأربع بلاطات مستديرة به ، ووسطه كله صحن مفروش بالرمال والحصى ، فالجهة القبلية منها لها خمس بلاطات مستطيلة من غرب إلى شرق ، والجهة الجوفية (١) لها أيضا خمس بلاطات على الصفة المذكورة ، والجهة الشرقية لها ثلاث بلاطات ، والجهة الغربية لها أربع بلاطات. والروضة المقدسة مع آخر الجهة القبلية بما يلي الشرق ؛ وانتظمت من بلاطاته مما يلي الصحن في السعة اثنين ونيفت إلى البلاط الثالث بمقدار أربعة أشبار ، ولها خمسة أركان بخمس صفحات ، وشكلها شكل عجيب ، لا يكاد يتأتى تصويره ولا تمثيله ، والصفحات الأربع محرفة من القبلة تحريفا بديعا ، لا يتأتى لأحد معه استقبالها في صلاته لأنه ينحرف عن القبلة.
وأخبرنا الشيخ الإمام العالم الورع ، فقية العلماء ، وعمدة الفقهاء ، أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم التونسي ، رضي الله عنه ، أن عمر بن عبد العزيز ، رضي الله عنه ، اخترع ذلك في تدبير بنائها مخافة أن يتخذها الناس مصلى.
وأخذت أيضا من الجهة الشرقية سعة بلاطين فانتظم داخلها من أعمدة الأبلطة ستة. وسعة الصفحة القبلية منها أربعة وعشرون شبرا ، وسعة الصفحة الشرقية ثلاثون شبرا ، وما بين الركن الشرقي إلى الركن الجوفي صفحة سعتها خمسة وثلاثون شبرا. ومن الركن الجوفي إلى الغربي صفحة سعتها أربعة وعشرون شبرا.
__________________
(١) الجهة الجوفية : تواجه القبلة. وهو يتكرر بهذا المعنى عند ابن جبير.