الأمير ، وذلك أنه أحدق به سرادق كالسور من كتان كأنه حديقة بستان أو زخرفة بنيان. وفي داخله القباب المضروبة ، وهي كلها سواد في بياض ، مرقشة ملونة كأنها أزاهير الرياض. وقد جللت صفحات ذلك السرادق ، من جوانبه الأربعة كلها ، أشكال درقية من ذلك السواد المنزّل في البياض يستشعر الناظر إليها مهابة يتخيلها درقا (١) لمطية قد جللتها مزخرفات الأغشية.
ولهذا السرادق الذي هو كالسور المضروب أبواب مرتفعة كأنها أبواب القصور المشيدة ، يدخل منها دهاليز وتعاريج ثم يفضى منها الفضاء الذي فيه القباب. وكأن هذا الأمير ساكن في مدينة قد أحدق بها سورها تنتقل بانتقاله وتنزل بنزوله ، وهي من الأبّهات الملوكية المعهودة التي لم يعهد مثلها عند ملوك المغرب.
ودخل تلك الأبواب حجاج الأمير وخدمه وحاشيته ، وهي أبواب مرتفعة ، يجيء الفارس برايته فيدخل عليها دون تنكيس ولا تطأطؤ ، قد أحكمت إقامة ذلك كله أمراس وثيقة من الكتان تتصل بأوتاد مضروبة ، أدير ذلك كله بتدبير هندسي غريب.
ولسائر الأمراء الواصلين صحبة هذا الأمير مضارب دون ذلك لكنها على تلك الصفة ، وقباب بديعة المنظر عجيبة الشكل قد قامت كأنها التيجان المنصوبة ، ما يطول وصفه ويتسع القول فيه من عظيم احتفال هذه المحلة في الآلة والعدة وغير ذلك مما يدل على سعة الأحوال وعظيم الانخراق في المكاسب والأموال.
ولهم أيضا في مراكبهم على الإبل قباب تظلهم بديعة المنظر عجيبة الشكل قد نصبت على محامل من الأعواد يسمونها القشاوات ، وهي كالتوابيت المجوفة ، هي لركابها من الرجال والنساء كالأمهدة للأطفال ، تملأ بالفرش الوثيرة ، ويقعد الراكب فيها مستريحا كأنه في مهاد لين فسيح وبإزائه معادله أو معادلته في مثل ذلك من الشقة الأخرى ، والقبة مضروبة عليهما ، فيسار بهما وهما نائمان لا يشعران ، أو كيفما أحبا ، فعند ما يصلان المرحلة التي يحطان بها ضرب سرادقهما للحين أن كانا من أهل الترفه والنعم فيدخل بهما راكبين وينصب لهما كرسي ينزلان عليه ، فينتقلان من ظل قبة
__________________
(١) الدرق : جمع درقة وهي الترس.