طواف النساء
وغسيل البيت
وفي اليوم التاسع والعشرين منه ، وهو يوم الخميس ، أفرد البيت للنساء خاصة ، فاجتمعن من كل أوب. وقد تقدم احتفالهن لذلك بأيام كاحتفالهن للمشاهد الكريمة ، ولم تبق امرأة بمكة إلا حضرت المسجد الحرام ذلك اليوم. فلما وصل الشيبيون لفتح البيت الكريم ، على العادة ، وأسرعوا في الخروج منه وأفرجوا للنساء عنه. وأفرج الناس لهن عن الطواف وعن الحجر ، ولم يبق حول البيت المبارك أحد من الرجال ، تبادر النساء إلى الصعود ، حتى كاد الشيبيون لا يخلصون بينهن عند هبوطهم من البيت الكريم. وتسلسل النساء بعضهن ببعض ، وتشابكن حتى تواقعن ، فمن صائحة ومعولة ومكبرة ومهللة. وظهر من تزاحمهن ما ظهر من السراة اليمنيين مدة مقامهم بمكة ، وصعودهم يوم فتح بيت المقدس ، وأشبهت الحال الحال ، وتمادين على ذلك صدرا من النهار ، وانفسحن في الطواف والحجر ، وتشفين من تقبيل الحجر واستلام الأركان. وكان ذلك اليوم عندهن الأكبر ، ويومهن الأزهر الأشهر ، نفعهن الله به وجعله خالصا لكريم وجهه. وبالجملة فهن مع الرجال مسكينات مغبونات ، يرين البيت الكريم ، ولا يلجنه ويلحظن الحجر المبارك ولا يستلمنه. فحظهن ، من ذلك كله ، النظر والأسف المستطير المستشعر. فليس لهن سوى الطواف على البعد ، وهذا اليوم الذي هو من عام إلى عام ، فهن يرتقبنه ارتقاب أشراف الأعياد ، ويكثرن له من التأهب والاستعداد ، والله ينفعهن في ذلك ، بحسن النية والاعتقاد ، بمنه وكرمه.
وفي اليوم الثاني منه بكر الشيبيون غسله بماء زمزم المبارك ، بسبب أن كثيرا من النساء أدخلن أبناءهن الصغار والرضع معهن ، فيتحرى غسله تكريما وتنزيها وإزالة لما يحيك في النفوس من هواجس الظنون فيمن ليست له ملكة عقلية تمنعه من أن تصدر عنه حادثة نجس في ذلك الموطن الكريم والمحل المخصوص بالتقديس ، والتعظيم ، فعند انسياب الماء عنه كان كثير من الرجال والنساء يبادرون إليه تبركا بغسل أوجههم وأيديهم فيه ، وربما جمعوا منه في أوان قد أعدوها لذلك ولم يراعوا العلة التي غسل لها. وكان منهم من توقف