الحمد لله. فعجبنا
من أمره ، ومن معرفته طبعا بصلة الكلام وفصله ، دون تعلم. وأما فصاحتهم فبديعة جدا
، ودعاؤهم كثير التخشيع للنفوس ، والله يصلح أحوالهم وأحوال جميع عباده بمنه.
العمرة
والعمرة في هذا
الشهر كله متصلة ليلا ونهارا ، رجالا ونساء ، لكن المجتمع كله إنما كان في الليلة
الأولى ، وهي ليلة الموسم عندهم. والبيت الكريم يفتح كل يوم من هذا الشهر المبارك.
فإذا كان يوم التاسع والعشرون منه أفرد للنساء خاصة ، فيظهر للنساء بمكة في ذلك
اليوم احتفال عظيم ، فهو عندهم يوم زينتهم المشهور المستعد له.
وفي يوم الخميس
الخامس عشر من الشهر المذكور شاهدنا من الاحتفال للعمرة قريبا من المشهد الأول
المذكور في أوله ، فكان لا يبقى أحد من الرجال والنساء إلا خرج لها. وبالجملة
فالشهر المبارك كله معمور بأنواع العبادات من العمرة وسواها ، ويختص أوله ونصفه من
ذلك بخط متميز ، وكذلك السابع والعشرون منه.
وفي عشي يوم
الخميس المذكور كنا جلوسا بالحجر المكرم ، فما راعنا إلا الأمير مكثر طالعا محرما
، قد وصل من ميقات العمرة تبركا بذلك اليوم وجريا فيه على الرسم وأبناؤه وراءه
محرمين وقد حف به بعض خاصته. وبادر المؤذن الزمزمي للحين إلى سطح قبة زمزم ، داعيا
على عادته ، ومتناوبا في ذلك مع أخيه صغيره. وحانت صلاة العشاء ، مع فراغ الأمير
من طوافه ، فصلى خلف الإمام الشافعي ، وخرج إلى المسعى المبارك.
وفي يوم الجمعة
السادس عشر منه خرجت قافلة كبيرة من الحاج في نحو أربعمائة جمل مع الشريف الداودي
إلى زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي جمادى الثانية قبله كانت أيضا زيارة
أخرى لبعض الحجاج في قافلة أصغر من هذه المذكورة. وبقيت الزيارة الشوالية والتي مع
الحاج العراقي إثر الوقفة ، إن شاء الله عز وجل. وفي التاسع عشر من شعبان كان
انصراف هذه القافلة الكبيرة في كنف السلامة ، والحمد لله.