وإذا جاز مع الصّريح الوجهان فهما مع المحتمل أقرب.
ووجهه في
النّصب أن تقدّر الفعل المذكور فينتصب به ، وفي الرفع أن تقدّر مبتدا على حسب
المعنى ، وإنّما حسن النّصب في أحد الوجهين لأنّه في كلام السّائل جملة فعليّة ،
فكان في تقدير [كلام] المجيب كذلك أولى للمناسبة ، وفي الرفع الجملة مقدّرة في كلام السّائل بالاسميّة ،
/ فكان الرفع لتكون اسميّة أولى للمناسبة المذكورة ، وجاز غيرهما لصحّة تقدير
الفعل في الاسميّة والاسم في الفعليّة ، وهذا كلّه إنّما يكون إذا كان [كلام] المجيب موافقا لكلام السّائل في أحد جزأيه ، فيحذفه ويستغني بدلالة كلام السّائل
عليه ، مثل قوله : «ما كتبت»؟ وهو قد كتب ، فيقول له : مصحفا أو شبهه.
فأمّا إذا لم
يكن موافقا له في الفعل تعذّر تقديره لإخلاله بالمعنى ، إذ يفهم منه الإثبات وهو
غير مريد له ، كما إذا قال له وقد سمع صوتا ظنّه ضربا منه : من ضربت؟ فيقول له
القائل : هو صوت مناد ، فالنّصب ههنا لا يستقيم لأنّ المجيب قاصد نفيه في المعنى مثبت لغيره ، فهو يفسد المعنى ،
ومنه قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ
ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٢٤) فلو نصب ههنا لم يستقم لأنّهم ليسوا مقرّين بإنزال من
الله متعلّق بأساطير الأوّلين ، بل منكرون لإنزال من الله تعالى
مطلقا ، وقولهم : أساطير الأوّلين هو في المعنى نفي الإنزال ، أي : هذا الذي يقول
: إنّه إنزال هو أساطير الأوّلين ، فيفسد تقدير الفعل ، [وهو أنزل] على هذا ، [مع أنّهم غير مقرّين بالإنزال من الله ،
بخلاف قوله تعالى : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ
اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً)
__________________