وإذا جاز مع الصّريح (١) الوجهان فهما مع المحتمل أقرب.
ووجهه في النّصب أن تقدّر الفعل المذكور فينتصب به ، وفي الرفع أن تقدّر مبتدا على حسب المعنى ، وإنّما حسن النّصب في أحد الوجهين لأنّه في كلام السّائل جملة فعليّة ، فكان في تقدير [كلام](٢) المجيب كذلك أولى للمناسبة (٣) ، وفي الرفع الجملة مقدّرة في كلام السّائل بالاسميّة ، / فكان الرفع لتكون اسميّة أولى للمناسبة المذكورة ، وجاز غيرهما لصحّة تقدير الفعل في الاسميّة والاسم في الفعليّة ، وهذا كلّه إنّما يكون إذا كان [كلام](٤) المجيب موافقا لكلام السّائل (٥) في أحد جزأيه ، فيحذفه ويستغني بدلالة كلام السّائل عليه ، مثل قوله : «ما كتبت»؟ وهو قد كتب ، فيقول له : مصحفا أو شبهه.
فأمّا إذا لم يكن موافقا له في الفعل تعذّر تقديره لإخلاله بالمعنى ، إذ يفهم منه الإثبات وهو غير مريد له ، كما إذا قال له وقد سمع صوتا ظنّه ضربا منه : من ضربت؟ فيقول له القائل : هو صوت مناد ، فالنّصب ههنا لا يستقيم لأنّ المجيب (٦) قاصد نفيه في المعنى مثبت لغيره ، فهو يفسد المعنى ، ومنه قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٢٤) (٧) فلو نصب ههنا لم يستقم لأنّهم ليسوا مقرّين بإنزال من الله متعلّق (٨) بأساطير الأوّلين ، بل منكرون لإنزال من الله تعالى مطلقا ، وقولهم : أساطير الأوّلين هو في المعنى نفي الإنزال ، أي : هذا الذي يقول : إنّه إنزال هو أساطير الأوّلين ، فيفسد تقدير الفعل ، [وهو أنزل](٩) على هذا ، [مع أنّهم غير مقرّين بالإنزال من الله ، بخلاف قوله تعالى : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً)(١٠)
__________________
(١) في ط : «التصريح».
(٢) سقط من الأصل. ط. وأثبته عن د.
(٣) في الأصل. ط : «بالمناسبة». وما أثبت عن د.
(٤) سقط من الأصل. ط. وأثبته عن د.
(٥) في الأصل. ط : «للسائل» مكان : «لكلام السائل». وما أثبت عن د.
(٦) في الأصل. ط : «لأنه» مكان : «لأن المجيب». وما أثبت عن د.
(٧) النحل : ١٦ / ٢٤.
(٨) سقط من د : «متعلق». خطأ.
(٩) سقط من الأصل. ط. وأثبته عن د.
(١٠) النحل : ١٦ / ٣٠.